وأما إبطال قول من يقول بالصفة الأخص خاصة فنقول: هي لا دليل عليها رأسا ثم إن دعوى أن تأثيرها تأثير العلة من أوضح دليل على الإقرار ببطلانها إذ تأثيرها في الصفات تأثير إيجاب وقد عرفت أن المؤثر مقارن للمؤثر وحينئذ فما ادعاء تأثير أحدهما في الآخر بأولى من العكس، ثم إن قولكم لا هي الله ولا هي غيره ولاشيء ولا لاشيء مما يدل على بطلانها إذ ذلك مناقضة ظاهرة وكل قول متناقض فهو باطل، ثم القول بها لا يخلو من تفكر في ذات الباري وذلك لا يجوز كما مر، ثم إن الخوض فيها تجاوز لحد العقل ومما لم يجر عليه شريعة إذ لم يعرف ذلك في زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولازمن الخلفاء وكل قول مبتدع لا دليل عليه من عقل ولا سمع فهو باطل وأيضا لامحيص لكم من القول بأنها معدومة أو موجودة، إن قلتم معدومة فذلك باطل إذ العدم لا تأثير له وإن قلتم موجودة قلنا أقديمة أم محدثة؟ إن قلتم قديمة فهو باطل إذ لا قديم إلا الله تعالى وإن قلتم محدثة لزمكم أن تكون صفات الباري محدثة إذ هي المؤثرة فيها بزعمكم وأنتم لا تقولون بشيء من هذه اللوازم وحاشاكم فيلزمكم العقول بتلاشيها، وإن قلتم لا نصفها بوجود ولا عدم ولا حدوث ولا قدم. قلنا: هذا هو المحال لأن المعلوم عند العقلاء أن كل مذكورين فلا بد من اتصافه بما ذكر وإلا عدوا من نفى ذلك خارجا عن قوانين العقلاء ويكفيك في بطلانه قول أن يؤدي إلى ذلك، وأما دعوى كل من يدعي أن (القاسم والهادي) وغيرهما من الأئمة يقولون بها فهو مردود بما حكينا من أقوالهم بلفظها وهي صريحة في أن الصفات هي الذات وذلك ينافي القول بالصفة الأخص إذ بعض من يجعلها أمورا زائدة ينفي الصفة الأخص كما عرفت فضلا عمن قال هي الذات وذلك واضح لكل من لم يعم التعصب عين بصيرته. وأما ما ذكره القاسم عليه السلام فهو يعني بتلك الصفة كونه شيئا لا كالأشياء المراد بقوله تعالى{ليس كمثله شيء}(الشورى:11) يدل على ذلك أول كلامه وآخره لأنه قال في كتاب الدليل الكبير وهذا الباب من خلافه سبحانه لأجزاء الأشياء كلها فيما يدرك من فروع الأشياء جميعا وأصولها مما لا يوجد أبدا إلا بين الأشياء وبينه ولا يوصف بها أبدا غيره سبحانه وهي الصفة التي لا يشاركه فيها مشارك ولا يملكها عليه مالك ولا يعم الأشياء اختلاف عمومه ولا تصحح الألباب أبدا إلا لله معلومة لأنه وإن وقع بين الأشياء ما يقع من الاختلاف فليس يوجد واقعا إلا بين ذوات الأوصاف وكل واحد منها وإن خالف غيره في صفة فقد يوافقه في صفة أخرى كان مما يعقل أو كان مما يلمس ويرى. وقد أوردت الجبرية أهل المعاني آيات من متشابهة القرآن تعلقوا بها منها قوله تعالى {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء}(البقرة:255) وقوله تعالى{أنزله بعلمه}(النساء:166) وقوله تعالى{فلنقصن عليهم بعلم}(الأعراف:07) وقوله تعالى{ذو القوة المتين}(الذاريات:58) وقوله تعالى{والسماء بنيناها بأيد}(الذاريات:47) والأيدي القوة.
ووجه تعلقهم بذلك أن ظاهر الآي تفيد أن لله تعالى علما وقدرة والعلم والقدرة معنيان.
Sayfa 85