وأما الكرامية: فإنهم يقولون بل تلك المعاني غيره ويصرحون أيضا بأنها قديمة قائمة بذات الباري على وجه الحلول وقد ارتكبوا من المحالات كلما فر عنه من قبلهم من كون الله تعالى محلا لغيره وإثبات قدماء مع الله وعلى الجملة فكلا القولين باطل،لأن قدم المعاني يوجب مماثلتها للباري ويوجب تماثلها لأنه وصف ذاتي، والاشتراك في صفة من صفات الذات يوجب الاشتراك في سائر صفات الذات فيلزم كونها آلهة كما أنه إلاه وكون كل واحد منها قدرة علما حياة فيستغني بأحدهما عن باقيها إذ قد صار كل واحد منها مثلا كجميعها سادا مسده فتوجب للقديم تعالى من الصفات مثل جميع ما يوجب كل واحد منها ولأن علمه واجب فتستغني عن موجب كقدمه كما تقدم.(وقال) هشام بن الحكم: أن الله تعالى عالم بعلم محدث يحدثه لنفسه فيوجب له الصفة وإليه ذهب قوم من الروافض ولم يشتهر عنه قول في باقي الصفات،وحكي عنه حكاية مغمورة في باقي الصفات أنه يستحقها لمعان محدثة، وحكي عن جهم بن صفوان وأتباعه القول بمقالة هشام بن الحكم أنه تعالى عالم بعلم محدث. قلنا:العلم كالفعل المحكم لا يوجده إلا عالم بوجوهه، فإذا كان العلم لا يوجد إلا بعد علم آخر تكلمنا في ذلك العلم الآخر، فقلنا هو ثابت في الأزل أو محدث فإن كان محدثا كان مسبوقا بعلم آخر وهلم جرا، فأما أن تنتهي العلوم إلى علم يكون مسبوقا بالعلم الأول الذي كان الكلام فيه أولا فيدور حينئذ إذ لا يحصل هذا العلم الأول إلا بعد هذه العلوم ولا تحصل هذه العلوم إلا بعده لحاجة كل واحد منها إلى الآخر والدور محال لأنه يلزم منه توقف الشيء على نفسه وسبقه في الوجود على نفسه وكلاهما محال، وأما أن تذهب العلوم إلى غير النهاية فيتسلسل والتسلسل محال.وما أدى إلى المحال فهو محال.قالت الأمورية:وإذا بطلت هذه الأقوال كلها تقرر ما ذهبنا إليه من القول بأنه تعالى يستحق صفاته لذاته وتعين القول بأن صفاته تعالى أمور زائدة على ذاته لا هي الله ولا هي غيره ولا هي شيء ولا لا شيء،وهكذا نقول في الصفة الأخص من قال بها.قال السيد حميدان (عليه السلام) : اصطلحوا على تسمية الصفات على الجملة أمورا لا أشياء وثابتة لا موجودة وأزلية لا قديمة وزوائد على الذات لا أغيارا لها وعلى وصفها بأنها لا شيء ولا لا شيء ولا قديمة ولا محدثة ولا موجودة ولا معدومة وأنها لا تعلم مع الذات ولا منفردة وأشباه ذلك مما لم يسبقهم إلى القول به موحد ولا يتبعهم إلا مقلد،وأصلوا لهم من هذا أصلا على جهة الإلجاء أن الصفات لا توصف.والحاجة إلى إبطال هذه المقالة وتقرير مذاهب الأئمة عليهم السلام ومن وافقهم من القول بأنها ليست بأمور زائدة على ذاته تعالى بل هي ذاته داعية إلى إبطال مذهبهم على الجملة. فهو أنه مذهب حادث بغير دليل معقول ولا مسموع وكل مذهب حادث فهو باطل لقول الله تعالى{قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها}إلى قوله{وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}(الأعراف:33)وقوله تعالى{ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير}(الحج:08) وقوله في مثل ذلك{إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان}(النجم:23) وقوله تعالى {إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون}(الأنعام:148).ولما روى الحاكم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:(يوشك أن ينتقل الشرك من ربع إلى ربع ومن قبيلة إلى قبيلة.قيل يا رسول الله وما ذلك الشرك قال: قوم يأتون بعدكم يحدون الله حدا بالصفة).،، وأيضا فإن علمهم بذلك لا يخلو إما أن يكون عن التفكر في الله أو التفكر في غيره أو عن التفكر لا في ذاته ولا في غيره،فإن كان عن التفكر لا في الله ولا في غيره فهو تفكر لا في شيء،وإن كان عن التفكر في غير الله فالتفكر في غير الله لا يؤدي إلى العلم بكيفية استحقاقه لصفات ذاته، وإن كان عن التفكر فيه سبحانه فذلك باطل لتحريمه سبحانه عليهم أن يقولوا عليه ما لا يعلمون وقد أخبر سبحانه أنهم لا يحيطون به علما ولقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:(تفكروا في ألآء الله ولا تفكروا في الله).وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم):(تفكروا في المخلوق ولا تفكروا في الخالق). ولقول أمير المؤمنين عليه السلام من فكر في الصنع وحد،ومن فكر في الصانع ألحد. وأيضا فإن أكثر أقوالهم متناقضة وكل متناقض فهو باطل.مثال ذلك قولهم الصفات لا توصف ونقضهم لذلك بوصفهم لبعضها بالأزل ولبعضها بالتجدد،وكذلك قولهم أنها لا تغاير نقضوه بجعلهم لبعضها مقتضيا وبعضها مقتضى وكل مذكورين على هذا الوجه فإنه يجب أن يكون أحدهما غير الآخر،ومن جملة المناقضة وصفهم لها بأنها لا شيء ولا لاشيء وأنها زائدة على الذات وليست غيرها.والذي ألجأهم إلى القول بأن الصفات لا توصف أنهم ألزموا بأن يصفوا الأمور الزائدة بالوجود والعدم والحدوث والقدم،فإن قالوا معدومة فهو باطل للزوم أن يكون الباري معدوما لعدم صفته الوجودية،وإن قالوا موجودة،قيل أقديمة أم محدثة؟ فإن قالوا قديمة لزمهم مشاركتها للباري في القدم والإلاهية وهو باطل لما يأتي، وإن قالوا محدثة لزمهم حدوث الباري بحدوث صفته الوجودية فدفعوا هذا الإلزام بأن قالوا مذهبنا الصفات لا توصف لئلا يتسلسل ويقال لهم إذا تقرر في العقول،، ثبوت وصف الصفة أطلق ذلك الوصف عليها وذلك وصف قطعا، وإن سكت عن وصفها فلا وصف حينئذ فلا تسلسل، وأيضا ففي قولهم إثبات الفرق بين أمور لا فرق بينها لا لغة ولا عرفا نحو الأمر والشيء والزائد والغير والقدم والأزل والحدوث والتجدد وأشباه ذلك مما توصلوا بتحريفهم لمعانيه المعقولة إلى أن يعبروا به عما لا يعقل مع كونهم غير مفوضين ولا حكماء ولا معصومين عن الدخول في زمرة من ذمهم الله سبحانه على تحريفهم للكلم عن مواضعه، وأيضا فإن إثباتهم لأمور متوسطة بين النفي والإثبات نحو قولهم لاشيء ولا لاشيء محال يعلم ذلك ضرورة كما يعلم ضرورة أن قول من يقول زيد لا في الدار ولا في غيرها محال وأيضا فإن ظاهر مذهبهم في قولهم إن صفات الله أمور زائدة على ذاته موافق لقول من قال صفات الله أشياء غير ذاته وأشباه ذلك مما لا فرق بينه إلا ما جروا عليه من مجرد الاصطلاح الذي لا يجوز قبوله فضلا عن أن يجب، ومما يشهد بصحة هذه الجملة من أقوال الأئمة عليهم السلام قول أمير المؤمنين عليه السلام: باينهم بصفته ربا كما باينوه بحدوثهم خلقا، فمن وصفه فقد شبهه ومن لم يصفه فقد نفاه، ووصفه أنه سميع ولا صفة لسمعه، وقوله وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه بشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة، فمن وصف الله فقد قرنه ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزأه ومن جزأه فقد جهله، (وقوله من وصفه فقد حده ومن حده فقد عده ومن عده فقد أبطل أزليته) . وقول ابنه الحسن عليه السلام: في جوابه لابن الأزرق الذي حكاه الحاكم في السفينة أصف إلهي بما وصف به نفسه وأعرفه بما عرف به نفسه لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس. وقول القاسم بن إبراهيم عليه السلام: في جواب مسألة الطبريين فهذه صفته (تبارك و) تعالى في الأينية والذات ليست فيه جل جلاله بمختلفة ولا ذات أشتات ولو كانت فيه مختلفة لكان اثنين أو أكثر في (الذكر والعدد) وإنما صفته سبحانه هو. وقول ابنه محمد عليهما السلام في كتاب الأصول: وصفته لذاته هو قولنا لنفسه نريد بذلك حقيقة وجوده. وقول الهادي عليه السلام في كتاب المسترشد: وليس قولنا صفتان قديمتان إن مع الله سبحانه صفة يوصف بها ولا نقول أن ثم صفة وموصوفا ولا أن ثم شيئا سوى الله عند ذوي العقول مجهولا ولا معروفا. وقوله في كتاب الديانة: من زعم أن علمه وقدرته وسمعه وبصره صفات له لم يزل موصوفا بها قبل أن يخلق وقبل أن يكون أحدا يصفه بها وقبل أن يصف هو بها نفسه وتلك الصفات زعم لا يقال هي الله ولا يقال هي غيره فقد قال منكرا من القول وزورا. وقول القاسم بن علي عليهم السلام في كتاب التوحيد: إن زعم زاعم أنه عالم بعلم ليس هو هو ولا هو غيره لم يكن بينه وبين من زعم أنه تعالى عالم بعلم هو هو وهو غيره فرق. وقول ابنه الحسين بن القاسم عليهما السلام في جوابه ليحي بن مالك الصعدي: ما تفسير علم الله وقدرته إلا كتفسير وجهه ونفسه فهل يقول أحد يعقل بأن له وجها كوجه الإنسان أو نفسا كأنفس ذوي الأبدان هذا ما لا يقول به أحد من ذوي الألباب ولا يعتقده في الله رب الأرباب وإنما وجهه هو ذاته وكذلك علمه وقدرته.
Sayfa 83