ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
Yayıncı
دار الفكر العربي
وعقله وخلاصة فكره؛ ولقد كان أحياناً يضطر ذلك المفكر إلى أن يقيد بعض آرائه؛ أو خواطره فيكتبها بفحم على ورق متناثر؛ وقد حفظ التاريخ بعض هذه الكتابات التي كتبت بفحم في هذا الضيق؛ فإذا هي كتابة المجاهد الذي لم يضعف ولم يهن؛ وإذا هو يعلم أن ذلك من الجهاد الذي كرس حياته له؛ وإن كان هو الجهاد الأكبر، ويعلم أن ذلك الابتلاء والصبر هو من نعم الله عليه وعلى الناس، فيقول: نحن ولله الحمد في عظيم الجهاد في سبيله.. بل جهادنا في هذا مثل جهادنا يوم قازان، والجبلية، والجهمية، والاتحادية، وأمثال ذلك، وذلك من أعظم نعم الله علينا وعلى الناس، ولكن أكثر الناس لا يعلمون)).
ويقول في مكتوب آخر: كل ما يقضيه الله تعالى فيه الخير والرحمة والحكمة إن ربي لطيف لما يشاء، إنه هو القوي العزيز العليم الحكيم، ولا يدخل على أحد ضرر إلا من ذنوبه ما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك، فالعبد عليه أن يشكر الله ويحمده دائماً على كل حال، ويستغفر من ذنوبه، فالشكر يوجب المزيد من النعم والاستغفار يدفع النقم، ولا يقضي الله للمرء من قضاء إلا كان خيراً له: إن أصابته سراء شكر، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له.
ويذكر سبب الضيق مستعلياً على الشدة؛ فيقول: ((وكانوا قد سعوا في ألا يظهر من جهة حزب الله ورسوله خطاب ولا كتاب، وجزعوا من ظهور الإخنائية، فاستعملهم حتى أظهروا أضعاف ذلك وأعظم... ولم يمكنهم أن يظهروا علينا عيباً في الشرع والدين. بل غاية ما عندهم أنه خولف مرسوم بعض المخلوقين والمخلوق كائناً من كان إذا خالف أمر الله تعالى ورسوله لم يجب، بل لا تجوز طاعته في مخالفة أمر الله ورسوله باتفاق المسلمين)).
٩٩- سجلت هذه الكتابات التي لم يكتبها بقلم ومحبرة، بل كتبها بفحم عزيمته ومضائه حتى آخر لحظة من حياته فهو في مضاء وصبر وجهاد وحسن بلاء، واستعلاء
89