لم يكن فيلسوف الأندلس مبتكرا في هذه الناحية، فالتفكير فيها حري أن ينال نصيبا كبيرا من كل فيلسوف يريد أن يعيش آمنا إلى حد ما بين الفقهاء ورجال الدين الذين أشربوا بغض الفلسفة والفلاسفة، بل أكاد أزعم أنه لم يكن له فيها زيادات كبيرة عن المعلم الثاني والشيخ الرئيس.
ذلك بأن قوام مذهب ابن رشد في التوفيق يرتكز - كما عرفنا - على ثلاث دعامات: (1)
تقسيم الناس طبقات مختلفة في استعداداتهم العقلية، وتنويع التعاليم التي يجب أن تكون لكل من هذه الطبقات. (2)
تفسير المعجزات والنبوة تفسيرا يجعلها على وفاق مع العقل والقوانين الطبيعية العامة، وبيان الصلة التي يجب أن تكون بين العقل والوحي في مسألة المعرفة. (3)
وضع قواعد عامة لتأويل ما يجب تأويله من نصوص القرآن والحديث؛ لبيان متى يكون التأويل، ولمن يكون، ولمن يصرح به من الناس.
ففي النقطة الأولى نراه مسبوقا بالفارابي في المشرق، وابن طفيل في المغرب. لقد عرف الأول ما في بعض الذي جاءت به الشريعة من عقائد
1
من صعوبة في فهمها والاقتناع بها، فجعل الناس لذلك: عامة، ومتكلمين، وفلاسفة، ورأى عرض هذه العقائد على كل طائفة حسب مقدرتها على تصورها وفهمها: إما بذكر حقائقها مجردة، وإما بذكر محاكياتها من رموز وأمثال.
وكذلك نرى ابن طفيل ينتهي في قصته الفلسفية «حي بن يقظان» إلى مثل هذا؛ أي إن من الناس طائفة ارتفعت عن العامة فهي تطيق المكاشفة بالحقائق عارية بذاتها، ومنهم من هم دون ذلك، فالخير لهم اللجوء إلى الشريعة، والاكتفاء بما ضربته لهذه الحقائق من رموز.
وفي النقطة الثانية نجد تأثره بالفارابي وابن سينا أيضا واضحا؛ وكذلك في الثالثة الخاصة بالتأويل وقانونه وما يتصل به؛ فتأثره بهذين وبالغزالي أيضا ظاهر ملحوظ.
Bilinmeyen sayfa