من أجل ذلك كله، يكون من الحق ما يؤكده الأستاذ «جوتييه
Ganthier » من «أن مذهب ابن رشد في التوفيق بين الدين والفلسفة مشترك بين جميع الفلاسفة.» أي الفلاسفة المسلمين.
غاية الأمر أن فيلسوفنا يمتاز - كما رأينا - بالوضوح وكثرة التفاصيل، والحرية في العرض والتوسع فيه، والإلحاح في رعاية التفرقة بين طبقات الناس والتعاليم المختلفة، وبيان موطن النفوذ لكل من الوحي والعقل، أو بعبارة أخرى بين الشريعة والحكمة، حتى يظلا في سلام ووئام دائمين.
ولعلنا حريون - إن استعرضنا سائر آرائه ونظرياته الفلسفية، وقارناها بأمثالها لدى من تقدمه من الفلاسفة - أن نجد الأمر قريبا من هذا، أي إنه لم يستطع إلا أن يتأثر بأسلافه هؤلاء قليلا أو كثيرا.
ولا عجب؛ فالمفكر الحق الذي ينشد الحق لنفسه هو من لا يأبى أن يفيد من غيره، ومن يضع لبنة في الصرح الذي يعمل الجميع لتشييده وإعلائه.
وإذن فلنترك تأثره بسلفه إلى بيان أثره في خلفه. (1) في الإسلام
يألم الباحث ويحس بخجل شديد حين يفكر في أثر ابن رشد وتعاليمه في الإسلام، شرقه وغربه؛ إذ كان حظه في ذلك إهمالا مزريا له ولفلسفته، ولجهوده في الانتصار لها، والتوفيق بينها وبين الشريعة.
حقا، لقد كان له شهرة كبيرة في أيامه، ومركز ممتاز مرموق بين معاصريه، حتى كان يعد من مفاخر الأندلس حين يقع التفاضل بينها وبين المغرب، ولكن - وقد ران الظلام على العقول في عصر الانحطاط - صارت الفلسفة التي قامت عليها شهرته هي السبب في إخمال اسمه وذكره.
وقد كان من ذلك أن التاريخ لا يعرف - كما يقول رينان - له تلميذا وصل إلى شيء من الشهرة في الإسلام، وأن تعاليمه لم تجد من يأخذ بها إلى الأمام حتى تبقى سائرة ممتدة مع الأيام، وأن مؤلفاته التي أنفق حياته في كتابتها لم يكن لها إلا القليل من القراء.
وفي هذا يقول الأستاذ «دي بور
Bilinmeyen sayfa