أما إنه لولا عوارفك التي
جرت جريان الماء في الغصن الرطب
لما سمت نفسي ما أسوم من الأذى
ولا قلت إن الذنب فيما جرى ذنبي
سأستمنح الرحمى لديك ضراعة
وأسأل سقيا من تجاوزك العذب
فإن نفحتني من سمائك حرجف
سأهتف يا برد النسيم على قلبي
وهكذا أنشأ ابن عمار قصيدته تتسابق فيها السياسة مع الشعر فلا تدري لأيهما السبق؛ فهو يمهد بالاعتذار والتودد والتخوف، وهو يذكر بالحب والصداقة، وهو يوحي إلى المعتمد أنه صافح مؤثر ما يزحزح كرب ابن عمار، ثم هو في لباقة معجزة يحمل المعتمد العبء فيما وقع بل هو يزيد فيعتب عتبا رقيقا فيذكره أنه أسلمه لملمة فلت سيفه وحطمت سلاحه، ولا ينسى ابن عمار أن يقول إنه لم يأت وزرا وإنه ما فعل إلا ما يظنه الخير وإنه ما جاء شيئا فيه بغي ولا ظلم، وبعد هذا الدوران السياسي البارع يعود فيستمنح الرحمى ويسأل السقيا من الصفح الجميل والمعتمد - قبل - شاعر يصل القصيد إلى قلبه أسرع ما يصل ويفهم الخافي منه على أوضح فهم؛ فهو يحس ما في قصيدة ابن عمار من خشية واعتذار وتذكير بصداقة، ويحس أيضا ما فيها من توجيه اللوم المهذب مشفوعا بالعتاب، ثم يمس قلبه بعد هذا طلب الصفح وتدمع عينه حين يعجب ابن عمار من الأيام فيما قضت به فأرته البعد عن المعتمد آنس من القرب إليه، فلا يملك نفسه أن يتناول قرطاسا ويكتب به إلى ابن عمار:
لدي لك العتبى تراح من العتب
Bilinmeyen sayfa