ولربما حجب الهلال سراره
أحسبتم السلوان هب نسيمه
أو أن ذاك النوم عاد غراره
إن كان أعيا القلب من حر الجوى
خذلته من دمعي إذن أنصاره
والقصيدة بعد ذلك مفضية إلى مدح المعتضد، وما يكاد المعتمد يقرؤها حتى يجن بها ويرتاح إلى هذه الخطة التي انتهجها ابن عمار في مدح أبيه، ويمتد أمله إلى صفح أبيه عن ابن عمار إن هو قرأ هذا الشعر؛ فهو يعلم أن أباه يطرب للشعر الجميل ويرتاح إليه. ويدعو المعتمد رسولا يهم أن يبعث به إلى أبيه حاملا القصيدة، ولكنه ما يكاد حتى يسمع ضجيجا عاليا وصخبا يقترب من حجرته إلى أن يبلغها، ويفتح الباب ويدخل رسول من عند المعتضد يلهث يخبر المعتمد أن أباه قد اشتد به المرض وأنه يدعوه، فيقوم المعتمد من مجلسه إلى حصانه فلا يتزود بشيء حتى ولا بنظرة من إعتماد. ويغمز المعتمد الحصان ويصل إلى أبيه فيجده ينتزع أنفاسه الأخيرة فيمثل أمامه فيوصي الأب ابنه بما يوصي به الملك خليفته. ويموت الملك المعتضد ويصير الملك إلى الملك أبي القاسم محمد بن عباد المعتمد آخر ملوك بني عباد.
عند قوم
عاد ابن عمار إلى الملك المعتمد وقد أمن الدهر وعواديه واطمأن إلى المقام في إشبيلية عاصمة الملك، وعادت الليالي وضاء كما كن، وأصبح ابن عمار وزير دولة بني عباد أجمع، وقد أراد ابن عمار أن يفعل شيئا عقب توليه الوزارة فزين للمعتمد أن يفتح قرطبة ففتحها، فكان هذا بداية رائعة لعهد حافل بالأحداث.
ويرى الوزير الجليل أن القصر لم يصبح بالمكان الذي يليق به في منصبه الجديد؛ فقد كان هذا القصر يصلح حين كان شاعر المعتضد أو صديق المعتمد أو وزير شلب، أما وهو وزير الدولة المدلل فلا بد للوزير من بيت؛ فقد أصبح الوزير ذا عائلة وأولاد أنجبهم من الجواري اللواتي أنعم بهن عليه المعتمد، فلا بد إذن من بيت ولا بد لبيت الوزير أن يكون ضخما شاهقا متسع الجنبات؛ فإنه الوزير.
وقد اتخذ الوزير مسكنا وسمي باسمه، وأحس ابن عمار بحلاوة الجرس الذي لم يسمعه قط؛ فقد أصبح الناس يقولون «بيت الوزير» أو «بيت ابن عمار»، وقد كان كل مناه أن يسمع اسم الحجرة يضاف إلى اسمه، إنه لم يسمع «حجرة ابن عمار» إلا حينما تعلق بصلة من القصر، ثم ها هو ذا أصبح لا يرضيه قولهم «حجرة» ولا قولهم «جناح ابن عمار» فأصبح له بيت بأكمله ذو حجرات وأجنحة.
Bilinmeyen sayfa