لم يكن الجو شديد الحرارة، ولكن أشعة الشمس تدفقت حامية لاسعة، وترامت تحت دفقاتها حديقة الأسماك عارية أو شبه عارية. وكانا أول قادمين. تمشيا بلا هدف، وإبراهيم يقول لنفسه: مثل آدم وحواء، مثل آدم وحواء قبل الخطيئة، وابتسم لخواطره وهو لا يدري، فضبطت سنية ابتسامته، وسألته بحياء: ترى ماذا يضحكك؟
فارتبك ثانيا، ولكنه قال: لأني سعيد!
وبسط راحتيه لأشعة الشمس، وقال: يوجد مجلس تحت الجبلاية.
وذهبا صوب الجبلاية تفعم أنفيهما رائحة نباتية تزفرها الأعشاب المخضلة برشاش الماء. وكانت متوسطة القامة، أو دون ذلك بقليل، فلم تجاوز قمة رأسها الكستنائي منكبه، ولكنها كانت متناسقة التكوين، وذات عينين خضراوين صافيتين. وجلسا متجاورين فوق أريكة من جذع النخيل. قال: حضورك منة عظيمة.
فقالت ببساطة: لسنا غرباء، فنحن أسرة واحدة.
وأضفى القبو على الجو قتامة، وجرت في ثناياه نسمة رطيبة كحال الأماكن التي لا تزورها الشمس. وكانت أعينهما تكلمت كثيرا أمس؛ فلم يشعرا في جلستهما بغربة مطلقة. ولاحظ أنها تنظر إلى بذلته العسكرية بحب استطلاع، فسألها: ليس لك أهل مجندون؟
فهزت رأسها بالنفي، فقال: إنها لا تمنع من التفكير في المستقبل، كأننا نعيش أبدا!
فقالت بعذوبة وحرارة: الأعمار بيد الله وحده.
فابتسم في تسليم وارتياح. وقال لنفسه: لا يمكن اقتحام الموضوع بلا تمهيد، ولا يجوز - في ذات الوقت - أن يطول التمهيد ما دامت فرصة اللقاء لن تتجدد قبل شهر كامل إن وجدت أصلا! ولعلها حامت حول الأفكار نفسها، ولكنها وجدت مخرجا، فقالت: الحياة هناك شاقة بلا شك؟
وامتن لسماع ملاحظتها التي لا يسمعها عادة بعيدا عن نطاق أسرته، فقال: فوق ما تتصورين! - وكيف تتحملونها؟
Bilinmeyen sayfa