وذهب الخادم، وناولها الرقعة في لطف وخفية، فأخذتها ودستها بين صدرها وملابسها ولم تجب.
وكان جامبتا قانعا بهذه المعاملة، راضيا منها بهذا المقدار من العطف، بعد أن ارتكب غلطته الوقحة منذ سنوات، فاستبشر خيرا، وامتلأ قلبه آمالا، ولكنه سقط في يده عندما رآها قد انقطعت عن زيارة الجمعية.
ولكنه مع ذلك بقي يشعر في نفسه بأنه لا بد ملاقيها في المستقبل، وأنها قد كتبت له في لوح القدر، وكانت نفسه صادقة البصيرة في ذلك.
فقد حدث أن أحد أصدقائه أصيب بجرح ولزم فراشه، فذهب يعوده. وبينما هو في منظرة البيت، وإذا به يرى الفتاة التي كانت موضوع خياله، وحديث هواجسه، ماثلة أمامه.
فتقدم منها، وجعل يحادثها بتحفظ، وهي تجيب بأخصر الألفاظ. ثم استأذنت وخرجت، وخرج جامبتا في أثرها حتى أدركها في الشارع.
ثم قال لها بلهجة التوسل والتضرع: «لم مزقت خطابي، وكيف وأنت تعرفين حبي لك طول هذه السنين، تلزمين الصمت ولا تجيبينني؟»
فترددت الفتاة وتلعثمت، وشرقت عيناها بالدموع ، ثم قالت: «لا يمكنك أن تحبني لأني غير جديرة بك، فلا تلح علي، ولا تعدني شيئا، فليودع كل منا الآخر. ويجب على الأقل أن أفضي إليك بقصتي؛ لأني من أولئك النسوة اللاتي لا يتزوجن أحدا.»
ثم أخذت تشرح له قصتها، وخلاصتها أن أباها كان ضابطا في الجيش، توفي فجأة، ولم يترك لها شيئا تعيش منه، فاشتغلت مربية في بيت أحد قادة الجيش مدة الإمبراطورية، فأغري بجمالها، وفسق بها، وهي بعد في غرارة الشباب، لا تحسب للمستقبل، ولا تدرك قيمة عذرية الفتيات، فلما تفكرت وتدبرت في أمرها اتضح لها مبلغ جرمها، فأخذت تشتغل في أعمال وضيعة، وقد اعتزمت على أن تقضي حياتها في هذه الأعمال، لا تفكر بزواج أو رفاهية، تكفر عن ذلك الذنب القديم، حتى تنتهي حياتها.
ولكن جامبتا كان قد تعلق قلبه بها، لم تؤثر فيه هذه الأقوال، وطلب إليها أن تتزوج منه، فلما ألح عليها في ذلك قالت له: «إن زواجنا يؤثر في شهرتك؛ فإن شرفي قد ضاع، وحياتي قد ذهبت، فليس لي مستقبل، وخير لكل منا أن يفارق صاحبه.»
ولكن الحب كانت قد لج بينهما، واشتد تعلقهما الواحد بالآخر، وكانا يلتقيان على مواعيد، وفي أمكنة بعيدة عن الأعين. وأخيرا رضيت ليوني (وهو اسم حبيبته) بأن تعقد معه خطبة كاثوليكية تقوم بمقام الزواج، فيعيشان بعيدين منفصلين، ولكن تكون الخطبة بمثابة الزواج، ينال منها المحبان جميع ما يناله المتزوجان.
Bilinmeyen sayfa