Aklın Rüyası: Yunan Çağı'ndan Rönesans'a Felsefe Tarihi
حلم العقل: تاريخ الفلسفة من عصر اليونان إلى عصر النهضة
Türler
من يضحك أخيرا: ديموقريطس
كانت النظرية الذرية هي آخر النظريات الإغريقية وأبرزها في أعقاب بارمنيدس. ويبدو أن مخترعها هو ليوكيبوس الذي لا نعرف فعليا عنه شيئا، ثم طورها ديموقريطس (حوالي 460-370ق.م.) الذي يبدو أنه يكاد يعرف كل شيء أو على الأقل ظن أنه يعرف كل شيء. ويصف المؤرخ ديوجين ليرتيوس ديموقريطس كما لو كان مزيجا من شيرلوك هولمز والعراف الدلفي: فعندما تذوق كمية من اللبن يقال إنه استنتج أن هذا اللبن جاء من أنثى معز سوداء اللون وقد أنجبت للتو أول صغارها. ولا تقل هذه القصة عجبا عن قصة تأخيره موته بمحض إرادته بعد أن تجاوز سن المائة عن طريق استنشاق رائحة خبز طازج. وبعدما قبضت روحه في آخر المطاف ظل ديموقريطس معروفا بين الناس باسم «الفيلسوف الضاحك»؛ غالبا لأنه كان يهزأ من حماقة البشرية. ولا يخطر ببال من يقرأ ما تبقى من كتاباته أنه كان شخصا مرحا يسخر من الحياة. فجدية كتاباته تجعل من المستحيل علينا تصوره وهو يضحك على أي شيء. فإنه يقول مثلا: «إياك أن تشك في أحد، ولكن كن ماكرا وتجنب الخطر.» ويقول أيضا: «إن التوبة من عمل السيئات واقتراف الذنوب والآثام هي النعمة التي تنقذ الحياة.» وكذلك يقول: «من يحافظ على نظام سلوكه يحافظ على نظام حياته.»
بالنظر للأمر من منظورنا الحالي ، يتضح أن التفسير الأوقع للقب «الفيلسوف الضاحك» هو أن ديموقريطس كانت له الضحكة الأخيرة. فعلى مر 2400 عام تفصلنا عنه قبعت مبادئ ديموقريطس تحت وطأة رفض أفلاطون وأرسطو والكنيسة لها، ثم ابتسم له الحظ مع الثورة العلمية في القرن السابع عشر، وظل مبتسما له منذ ذلك الحين، في حين ضرب بالنظريات الفيزيائية لأفلاطون وأرسطو عرض الحائط؛ فالتصور الحديث للعالم يشبه أفكار ديموقريطس وأتباعه أكثر من أفكار أي من غيره من الإغريق. وسيتضح فيما يلي أن بعض الأفكار المنسوبة لجاليليو (1564-1642م) والتي بدت ثورية ليست إلا إعادة صياغة لما قاله ديموقريطس. بل وما يزيدنا انبهارا أن سلسلة التأثير تمتد من الذريين القدامى حتى انتصار النظرية الذرية الحديثة للمادة في القرن التاسع عشر. لا ريب أن جاليليو والذريين المعاصرين سعوا جاهدين إلى اختبار استنتاجاتهم وإثباتها بينما كان ديموقريطس ببساطة يؤلفها ثم من حسن طالعه يتضح أنها استنتاجات صحيحة. ولكن تبقى النظرية الذرية القديمة هي الإنجاز الذي توج الفلسفة الإغريقية قبل عصر أفلاطون.
وأغرب ما في الأمر أن هذه الفلسفة التي تبدو علمية في ظاهرها قد نشأت مباشرة من آراء بارمنيدس المظلمة وغير المعقولة؛ فبتعديل بسيط لأفكار بارمنيدس تحولت الكينونة الواحدة الثابتة والساكنة لديه إلى الذرات الغزيرة والحيوية لدى ديموقريطس. ولكن كيف حدث ذلك؟ هذا ما سنجيب عنه بعد قليل.
ورغم نجاح النظرية الذرية في بلوغ القرن السابع عشر وما يليه، فقد عانت الأمرين لتصل إليه. فقد كرس أرسطو جهدا عظيما ليثبت أن النظرية الذرية ليست إلا هراء في معظمها، أما أفلاطون فنفر من هذه النظرية حتى يبدو أنه لم يتقبل حتى ذكر ديموقريطس، ناهيك عن تفنيد آرائه. ويقال إن أفلاطون أراد لكل كتب ديموقريطس أن تحرق، لكن ذلك كان أمرا شاقا لأن كتابات ديموقريطس وحده تفوق كتابات كل من سبقوه مجتمعين. ولسوء الحظ كان لأفلاطون ما أراد على أية حال لأن معظم كتابات ديموقريطس ضاعت إثر الإهمال. وقد انتهز المفكرون المسيحيون الأوائل كل فرصة سانحة لإدانة النظرية الذرية وإثناء الناس عن دراستها، ولم يكن وجه عداوتهم هو أن النظرية الذرية تزعم أن كل المواد تتكون من جزيئات لا يمكن تقسيمها في حين أن المسيح وأنبياء العهد القديم لم يذكروا قولا في ذلك. فقد مقت المسيحيون الأوائل النظرية الذرية لسببين رئيسين؛ أولهما: أنها حاولت تفسير كل شيء في إطار ميكانيكي دون الإشارة إلى قدرة الرب (التي يراها الذريون إسهابا لا قيمة له)، والآخر: أنها زعمت أن لا حياة بعد الموت؛ ذلك أن كل الأشياء بما فيها الأرواح والآلهة - إذا كان لأي منها وجود من الأساس - ما هي إلا تشكيلة مؤقتة من الذرات ستذوب عائدة إلى الفوضى في النهاية.
كما عانت النظرية الذرية من أصحاب السوء؛ فقد أيدها وطورها أبيقور (341-270ق.م.) الذي اشتهر بتقديس المتع الحسية والشره مما أساء إلى سمعتها بين أولي الألباب. بل والأسوأ من ذلك هو أن أفضل نسخة للنظرية الذرية وأشدها تأثيرا هي النسخة المطروحة في قصيدة لوكريتيوس «عن طبيعة الأشياء» التي تناهض الدين صراحة، فيقول لوكريتيوس بكل وضوح إن قصيدته تهدف إلى تحرير الإنسان من الخرافات ومن رهبة الموت وطغيان الكهنة:
عندما زحفت حياة الإنسان مكرهة تثقل ظهرها الخرافات التي تطل برأسها من السموات العلى وتقترب من الهالكين بوجه بشع، كان رجل اليونان هو أول من تجرأ برفع العين في عينها وأول من وقف أمامها وجها لوجه؛ ذلك أن أساطير الآلهة لا تخيفه، ولا تخمده الصواعق ولا يثني عزمه زئير السماء المرعب، بل إنها استنهضت الشجاعة فيه حتى كان أول الراغبين في اقتحام عالم الطبيعة وكشف النقاب عن أسراره.
و«رجل اليونان» البطل الذي يقصده لوكريتيوس هو أبيقور، إلا أن الحقيقة أن أول من اقتحم عالم الطبيعة هما ديموقريطس وليوكيبوس تحت اسم النظرية الذرية. •••
قال ديموقريطس ذات مرة إنه يفضل أن يتوصل إلى تفسير واحد حقيقي عن أن يتوج ملكا على بلاد فارس. وقد حمله فضوله بعيدا عن وطنه فذهب به إلى بلاد بابل ومصر وفارس وربما إلى الهند وإثيوبيا. وقد أنتج بخبرته الواسعة واهتماماته المتنوعة ما يقرب من خمسين رسالة عن موضوعات مختلفة مثل المغناطيسية والزراعة والموسيقى والرسم وعلم وظائف الأعضاء، وربما تحدثت إحدى رسائله عن كيفية القتال بالدروع، بالإضافة إلى كتبه في موضوعات فلسفية بحتة. وقد كان شغوفا بعلم الأحياء، ولكن لم يتبق مما كتبه فيه إلا القليل، وكذلك الحال مع معظم الموضوعات التي تكلم فيها. ويتبقى بين أيدينا 299 قطعة مفهرسة من كتابات ديموقريطس؛ أي أكثر مما تبقى من كتابات أي فيلسوف قبل أفلاطون، إلا أن معظمها من كتاباته عن الأخلاق، وبعضها كلمات منفردة قيل إنه كان يستخدمها. ومع ذلك فإن ما بقي وخاصة مما كتبه لاحقا عن النقد يكفي ليبين الخطوط العريضة للنظرية الذرية.
إن أول من وضع هذه الخطوط العريضة وفقا لما قاله أرسطو هو ليوكيبوس. وقد ولد ليوكيبوس حوالي عام 460ق.م. إما في مدينة إيليا أو في ملطية، وكلتاهما من أغزر منابع الفلسفة. وتقريبا ولد ديموقريطس في العام نفسه في مدينة أبديرة، وهي مدينة أيونية على شاطئ تراقيا كان يضرب بها المثل لغباء أهلها. ودرس ديموقريطس مع ليوكيبوس وحمل الفكرة التي خلدت ذكر ليوكيبوس وهي أن عددا لانهائيا من الذرات الصغيرة يندفع حول مساحة خالية (تسمى «الفراغ») حتى تصطدم الذرات ويلتصق بعضها ببعض فتشكل كل الأشياء التي نعرفها في العالم سواء الحية أو غير الحية. ويقول أحد المعلقين اللاحقين عن ذلك:
Bilinmeyen sayfa