Aklın Rüyası: Yunan Çağı'ndan Rönesans'a Felsefe Tarihi
حلم العقل: تاريخ الفلسفة من عصر اليونان إلى عصر النهضة
Türler
noein
المستخدم في «طريق الحقيقة» والذي يعني «يفكر»، يحمل دلالات ومعاني مختلفة عما يحمله الفعل «يفكر» الذي نستخدمه الآن؛ فهو يعني كذلك إدراك حقيقة الأشياء في العالم عن طريق الحواس عادة؛ ولذلك فمعناه يكاد أحيانا يفوق ما يحمله الفعل «يدرك» من معان. وفي الواقع، قال أرسطو ذات مرة إن الناس في عصر بارمنيدس ومن قبله كانوا ينظرون إلى عملية الفهم بوصفها عملية جسدية مثل الإدراك. •••
وقد حلل أفلاطون فقرة «طريق الحقيقة» بلا رحمة ولا هوادة إلا أنه أعلى من شأن بارمنيدس وأظهر له كل تبجيل وتقدير واحترام. ففي إحدى محاوراته قال أفلاطون على لسان بطله الأثير سقراط: «إن ثمة شخصا أكن له احتراما يفوق الجميع، إنه بارمنيدس الذي أراه كما يقول هوميروس شخصا «وقورا مهيبا». لقد قابلته ذات مرة وأنا في مقتبل عمري بينما كان هو قد طعن في السن وألفيت فيه نظرة عميقة لا تتسم إلا بالجلال والنبل.» وقد كان لبارمنيدس كبير الأثر في تكوين أفلاطون؛ فمن أهم الأفكار التي أخذها أفلاطون من بارمنيدس هي أن كل شيء يتصف بالحقيقة المطلقة لا بد أن يكون ثابتا لا يتغير وخالدا لا يفنى وبالتأكيد ليس بمخلوق، رغم أن الحجج التي ساقها أفلاطون لا علاقة لها بما يدعيه من استحالة «التفكير في شيء غير موجود.» وكذلك اقتبس أفلاطون فكرة بارمنيدس حول التفريق بين العقل والحواس بالإضافة إلى الفكرة الفيثاغورية (والأورفية الخالصة) التي تقول إن الفكر يحظى بمنزلة أعلى وأرقى من الحواس. وكما رأينا، فقد دعم الفيثاغوريون هذا الفكر العقلاني، ولكن بارمنيدس كان هو أول من طبقه عمليا في فلسفته.
أقام أفلاطون بناء على فكرة التفريق بين العقل والحواس نظرية تقول إن العالم مقسم إلى جزأين: أحدهما خالد لا يفنى أدركناه من خلال العقل، والآخر متغير متبدل أدركناه من خلال الحواس. وعلى العكس من بارمنيدس، كان أفلاطون مستعدا لقبول فكرة أن العالم الأدنى منزلة ومكانة والذي نراه ونسمعه ونلمسه هو عالم واقعي ولكن بدرجة أقل، ولكنه رفض هذه الفكرة واصفا إياها بأنها محض تخريف وأوهام، وما كان ليقول إننا ندرك هذا العالم من خلال الحواس، بل إن الحواس وحدها تخدعنا وتجعلنا نصدق هذا الكلام. وثمة فرق آخر بين الرجلين، وهو أن أفلاطون رغم اعتقاده أن العالم الأرفع منزلة ومكانة يتسم بالخلود وعدم التغير، كان يعتقد أنه يتضمن عدة أشياء على خلاف بارمنيدس الذي ادعى أن الحقيقة المطلقة «واحدة» تتكون من أشكال أو أفكار صافية ثابتة (سنتعرض لها بالتفصيل عند الحديث عن أفلاطون نفسه)؛ وبهذا نجد أن أفلاطون اقتبس جزءا من الصورة التي قدمها بارمنيدس عن العالم وضرب صفحا عن الأجزاء الأخرى. وقد راقت لأفلاطون فكرة وجود حقيقة مطلقة لم تولد ولا تتغير ولا تفنى، ولكن يبدو أن هذه الفكرة لم تكن كافية له، كما أنه لم يقتنع بأسباب بارمنيدس في الإيمان بأن العالم الواقعي لا يوجد؛ ولذلك حاول أن يثبت وجوده أيضا.
ولم يكن أفلاطون أول من ناقش فلسفة بارمنيدس؛ فقد قام أربعة من كبار الفلاسفة قبل أفلاطون في القرن الخامس قبل الميلاد بمحاولة لإرجاع الفكرة المعهودة عن العالم إلى سابق عهدها، وإن احتفظوا رغم ذلك بشطر من فكر بارمنيدس. على سبيل المثال قال إمبيدوكليس (حوالي 495-435ق.م.) إن العالم يتكون من عناصر أربعة هي النار والهواء والماء والتراب، وكلها تتمتع بالخلود والثبات تماما مثل فكرة الحقيقة المطلقة الواحدة لدى بارمنيدس. ورغم أن كل عنصر من هذه العناصر لا يغير من خصائصه ولا يدخل إلى عالم الوجود ولا يفنى، كان إمبيدوكليس يرى أن هذه العناصر يمكن أن تتحرك وأن تتحد مع بعضها لتكون لنا الظواهر اليومية التي نراها. وقد أقر أناكساجوراس (حوالي 500-428ق.م.) بفكرة أن المواد الأساسية لا تنشأ ولا تفنى ، ولكن بدلا من الإيمان بوجود أربعة عناصر فقط مثل إمبيدوكليس رأى أن كل المواد الطبيعية سرمدية لا تتبدل ولا تتغير، وأن الأشياء العادية تتكون من خليط من هذه المواد غير التي لا تفنى. وكما يرى إمبيدوكليس، يتكون العالم من مجموعة من العناصر تتسم هي نفسها بالخلود وعدم التغير.
وكان الشكل الأخير والأكثر تأثيرا في هذه القائمة هو «النظرية الذرية». لقد قدم كل من ليوكيبوس (حوالي 460-390ق.م.) وديموقريطس (حوالي 460-357ق.م.) نظرية تتحدث عن «ذرات» متحركة ومتناهية الصغر تتمتع بالصفات التي عزاها بارمنيدس إلى الحقيقة المطلقة الواحدة من خلود وثبات، وتختلف فيما بينها من حيث الشكل والموقع في الفضاء، وجميع الأشياء الأخرى التي نراها في الكون يمكن تفسيرها على أساس هذه الذرات؛ حيث إن جميع المواد والأشياء الطبيعية بما في ذلك الإنسان والحيوان تتكون من ذرات تسبح في الفراغ (فضاء خاو) حتى تصطدم بذرات أخرى لتكون الأشجار أو الإنسان أو كتلا من الفضة وهكذا. وهذا العالم العامر بالحركة والضوضاء يبعد كثيرا عن فكرة العالم الذي تخيله بارمنيدس؛ فهو يحتوي على حركة وتنوع وكذلك فراغ في بعض أجزائه. •••
لقد عرضنا الآن بعض المحاولات التي قام بها خلفاء بارمنيدس لمسايرة فكره، ولكن كيف ساير بارمنيدس نفسه؟ لقد وضع نفسه في موضع المستحيل. فإذا كان هناك شيء واحد فقط كما يعتقد إذن فكيف يمكن أن يميز نفسه عنه؟ ووفقا لما قدمه من حجج، إما أن يكون هو نفسه زائفا أو خياليا مثل العالم البدهي المتغير الذي رفضه أو أن يكون مماثلا للعالم الثابت غير المتحول الذي ليس فيه إلا حقيقة واحدة. وإذا ما نحينا هذا الاختيار الذي ليس به سوى السخافات جانبا، فكيف للإنسان أن يتصرف في مثل هذا العالم؟ والحق أن لا فائدة ترجى من القيام بذلك؛ لأن التغير والحركة ضروب من المستحيل. ولنأخذ على سبيل المثال مشكلة ميليسيوس التلميذ الوفي لبارمنيدس. لم يكن ميليسيوس فيلسوفا لبعض الوقت فحسب، بل كان أميرا لأسطول ساموس الذي حقق النصر في إحدى المعارك الشهيرة على الأسطول الأثيني عام 441ق.م. فقد تلقى كل أفكار معلمه وآمن بها، ولكن ماذا كان عليه أن يفعل في رأيه؟ فالسفن لا يمكن أن تتحرك، وهو كذلك لا يمكن أن يتحرك؛ ومن ثم فالمعارك لا يمكن أن تقع، هذا بالإضافة إلى أنه لن يوجد من يحاربه.
وليس بوسعنا إلا الظن أن بارمنيدس وميليسيوس قد اعتبرا الحياة العادية ضربا من الأوهام، أو على الأقل لغزا مبهما يمكن للمرء أن يلهو به كيفما شاء، ورغم أنهما لم يعلنا هذا صراحة فمن الصعب أن نظن فيهما غير ذلك؛ فكلاهما عاش حياة طبيعية ولذلك فشلا في التصرف؛ أو بالأحرى لم يتصرفا من الأساس وفقا لمعتقداتهما الفلسفية الظاهرة.
وربما لم يشغلا نفسيهما أصلا باختبار أفكارهما ومعتقداتهما بتطبيقها على متطلبات حياتهما اليومية. لا يوجد ما يدعونا للاعتقاد بذلك، ولا يحمل الجزء الذي يحمل اسم «طريق التجلي» - وهو الجزء الثاني من قصيدة بارمنيدس الذي فسرت فيه الإلهة المعتقدات الخاطئة لدى الإنسان - شيئا مختلفا. في الواقع، هذه الأجزاء لا تزيد الأمر إلا إبهاما وغموضا. وقد قال بلوتارخ (حوالي 46-120م) إن بارمنيدس في الجزء الذي يحمل العنوان «طريق التجلي» «أخبرنا الكثير عن الأرض والسموات والشمس والقمر وسرد كيف نشأ الإنسان ...» ولكنه لم يفسر لنا كيف يمكن لهذه الرواية أن تتسق مع ما ورد في «طريق الحقيقة» الذي رأى العالم كله شيئا واحدا وأنه ليس ثمة شيء جديد ينشأ في الوجود.
لكن رغم أن الجزء الخاص ب «طريق التجلي» لا يفصح عن آراء بارمنيدس الخاصة؛ إلا أنه لا يعتبر محض تسجيل تاريخي لما قاله الناس في هذا الشأن فحسب، بل إنه سجل أصلي كتب على طريقة علماء الطبيعة وإن كان أشد تعقيدا في بعض المواطن، قالت الإلهة إنها ألفته «لئلا يتخطاك تفكير أي إنسان آخر.» ويوضح هذا أن بارمنيدس ضمن جزء «طريق الحقيقة» في قصيدته ليثبت أنه يمسك بناصية الفلسفة التقليدية؛ فقد استغل عادة حديث ربات الشعر بالحق والباطل كما في هسيود في محاولة منه لإثبات قدرته على ابتكار تفسير طبيعي للعالم من حوله وإثبات أن أي شخص يمكنه فعل ذلك وأنه يفوق أغلبهم في هذا الشأن.
Bilinmeyen sayfa