Batı Hikmeti
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
Türler
Cynic
اللتين عرفتهما الفلسفة اليونانية فيما بعد. فكان يشارك الكلبيين عدم اكتراثهم بمتع الدنيا، ويشارك الرواقيين الحرص على الفضيلة بوصفها في الأسمى، ولم يكن سقراط ميالا إلى البحث العلمي إلا في أيام شبابه، وكان أقصى اهتمامه موجها إلى البحث في الخير.
وهكذا نجده في المحاورات الأفلاطونية الأولى، التي تظهر فيها شخصيته بوضوح كامل، يبحث عن تعريفات للمفاهيم الأخلاقية، ففي محاورة خارميدس
Charmides
يدور التساؤل حول مفهوم الاعتدال، وفي «ليسس
Lysis » حول مفهوم الصداقة، وفي «لاخيس
Laches » حول الشجاعة. ولا نجد في هذه المحاورات إجابات نهائية عن تلك الأسئلة، وإنما يبين لنا أن طرح الأسئلة أمر عظيم الأهمية.
وهذا يقودنا إلى الاتجاه الفكري الرئيسي عند سقراط ذاته؛ فعلى الرغم من أنه كان يقول دائما إنه لا يعرف شيئا، فإنه لم يكن يعتقد أن المعرفة بعيدة عن متناول يديه. والمهم في رأيه هو السعي من أجل اكتساب المعرفة؛ إذ كان يعتقد أن السبب الذي يجعل الإنسان يرتكب الخطيئة هو افتقاره إلى المعرفة، ولو عرف لما ارتكبها. وإذن فالسبب الأول للشر هو الجهل، ولكي نصل إلى الخير لا بد لنا من اكتساب المعرفة، ومن ثم فالخير هو المعرفة، والواقع أن الارتباط بين الخير والمعرفة من العلامات المميزة للفكر اليوناني طوال عهوده، أما الأخلاق المسيحية فعلى النقيض من ذلك؛ إذ إن أكثر ما تحرص عليه هو نقاء القلب، وهذا أمر قد يكون الوصول إليه أيسر بين الجهلاء.
وعلى ذلك فإن سقراط قد حاول إلقاء الضوء على هذه المشكلات الأخلاقية عن طريق المناقشة، ويطلق على هذه الطريقة في الاهتداء إلى الأشياء عن طريق السؤال والجواب اسم الجدل أو الديالكتيك، ولقد كان سقراط متمكنا منه، وإن لم يكن هو أول من استخدمه؛ إذ يقول أفلاطون في محاورة «بارمنيدس» إن سقراط التقى في شبابه مع زينون وبارمنيدس، وتلقى منهما درسا في الديالكتيك من ذلك النوع الذي أصبح هو ذاته يلقنه للآخرين فيما بعد. وتكشف محاورات أفلاطون عن سقراط بوصفه رجلا لديه ميل واضح إلى الدعابة، وقدرة على السخرية اللاذعة، وهكذا اشتهر بين الناس بتهكمه ، وكان الناس يعملون حسابا لتهكمه هذا، والواقع أن المعنى الحرفي للفظ التهكم
irony ، الذي هو لفظ يوناني في الأصل، أقرب إلى «التهوين
Bilinmeyen sayfa