Batı Hikmeti
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
Türler
الذي كان من مواطني أبديرا
Abdera ، وكان في أوج شهرته حوالي عام 420ق.م، وكان من أهم آرائه التمييز بين الأشياء كما هي عليه في حقيقتها، والأشياء كما تبدو لنا. وهكذا فإن العالم المحيط بنا يتألف، حقيقة وفقا للتفسير الذري، من ذرات في فراغ فحسب، على حين أن هذا العالم يتكشف لنا في تجربتنا على أنحاء شتى. وهذا يؤدي إلى تمييز آخر بين ما أطلق عليه بعد ذلك بوقت طويل اسم الكيفيات الأولية والكيفيات الثانوية. أما الأولى فهي الشكل والحجم والمادة، وأما الثانية فهي الألوان والأصوات والطعوم وما شابهها، وبعد ذلك تفسر هذه الأخيرة على أساس الأولى التي تنتمي إلى الذرات نفسها.
وسوف نلتقي بالنظرية الذرية مرارا خلال رحلتنا في هذا الكتاب. أما الحدود التي لا تستطيع هذه النظرية أن تتعداها، فسوف نناقشها في المواضع المناسبة، وحسبنا الآن أن نشير إلى أن المذهب الذري ليس حصيلة تأمل خيالي، وإنما هو إجابة جادة عن السؤال الذي أثاره الفلاسفة الملطيون، وهي إجابة استغرق إعدادها مائة وخمسين عاما.
وإلى جانب أهمية النظرية الذرية بالنسبة إلى العلم الطبيعي، فقد أدت أيضا إلى نظرية جديدة عن النفس، فالنفس كأي شيء آخر تتألف من ذرات، ولكنها ذرات ألطف من غيرها، وتتوزع على كافة أنحاء الجسم. وتبعا لهذا الرأي يكون الموت تحللا، ولا يكون هناك وجود للخلود الشخصي، وهي نتيجة استخلصها أبيقور وأتباعه فيما بعد. أما السعادة وهي غاية الحياة، فقوامها أن تكون النفس في حالة متوازنة.
وفي الوقت الذي كانت فيه المدارس الفلسفية تنمو خلال القرن الخامس، ظهرت جماعة من الناس كانت بمعنى ما على هامش الفلسفة. هؤلاء هم الذين يطلق عليهم عادة اسم السفسطائيين، الذين يشير إليهم سقراط بازدراء، بوصفهم أولئك الذين يجعلون الحجة الأضعف تبدو وكأنها هي الأقوى. ومن المهم أن نعرف كيف ظهرت هذه الحركة، وماذا كانت وظيفتها في المجتمع اليوناني.
إن التغير المستمر في ساحة المعركة الفلسفية قد جعل من الصعب تبيان الجانب الذي قد يكون على حق، ومثل هذه المسائل التي تظل معلقة، هي أمور لا يتوافر لدى الأشخاص العمليين وقت للانشغال بها. فأية مسألة لا يتم حسمها، هي شيء لا جدوى منه بالنسبة إلى من يريدون إنجاز الأمور، حتى يمارسوا فاعليتهم، ولقد كانت هذه على وجه الإجمال هي الأزمة التي وجد السفسطائيون أنفسهم فيها؛ فالنظريات المتعارضة للفلاسفة لم تكن تبشر بإمكان قيام أية معرفة على الإطلاق، وفضلا عن ذلك فإن التجربة المتزايدة للاحتكاك بالشعوب الأخرى أثبتت أن هناك فجوات يستحيل عبورها بين عادات الشعوب المختلفة. وقد روى هيرودوت حكاية حول هذا الموضوع؛ ففي بلاط ملك الفرس العظيم، جاءت وفود من قبائل الأقاليم المختلفة التي تخضع لإمبراطورية الفرس، وكان كل وفد منها يشهق فزعا كلما سمع عن المراسم الجنائزية لدى الوفد الآخر، فالبعض كان يحرق موتاه، والبعض الآخر كان يحنطهم، وفي النهاية اقتبس هيرودوت بيتا للشاعر بندار
يقول فيه إن العرف هو الملك الذي يحكم الجميع. ولما كان السفسطائيون يرون أن المعرفة لا يمكن اكتسابها، فقد أعلنوا أنها ليست بذات أهمية ، والمهم هو الرأي المفيد، وبالطبع فإن هذا القول ينطوي على قدر من الصواب؛ ففي أداء الشئون العملية يكون النجاح بالفعل هو العامل الذي يطغى على غيره، ولكن سقراط يتخذ في هذه المسألة بدورها موقفا مضادا تماما. فيما كان اهتمام السفسطائيين منصبا على الممارسة العملية السليمة، رأى سقراط أن هذه الممارسة لا تكفي، وأن الحياة التي لا تخضع لفحص عقلي دقيق لا تستحق أن تعاش.
ولقد قام السفسطائيون بمهمة تقديم تعليم منظم في الوقت الذي لم تكن فيه اليونان تعرف عن هذا التعليم إلا أقل القليل؛ إذ كانوا معلمين جوالين يقدمون دروسا تعليمية على أساس احترافي. وكان من الأمور التي عابها عليهم سقراط تقاضيهم أجورا، على أن المرء قد يشعر حقا بأن سقراط لم يكن في هذه المسألة منصفا؛ إذ إن محترفي الكلام أنفسهم يحتاجون إلى أن يأكلوا من آن لآخر، ومع ذلك ينبغي أن نشير إلى أن التراث الأكاديمي ينظر إلى الأجور على أنها نوع من الحماية التي تتيح للأستاذ أن ينسى المشكلات المادية.
ولقد كانت الموضوعات التي يهتم بها السفسطائيون في تعليمهم تختلف من فرد لآخر، وكان أكثر أنشطتهم احتراما هو تقديم تعليم أدبي، ولكن كان هناك آخرون يعلمون موضوعات ذات قيمة عملية مباشرة، فمع انتشار الدساتير الديمقراطية في القرن الخامس، أصبح من الضروري للمرء أن يتعلم الخطابة، وقد اضطلع بهذه المهمة معلمون للفصاحة والبلاغة، وبالمثل كان هناك معلمون للسياسة يلقنون تلاميذهم فنون إدارة شئون المجالس. وأخيرا كان هناك معلمون للجدل أو النقاش كان في استطاعتهم أن يجعلوا الحجة السيئة تبدو وكأنها هي الأفضل. ولهذا الفن فوائد واضحة في المحاكم، حيث يتعين على المتهم أن يدافع عن نفسه، وقد استطاع معلموه أن يعلموا الناس كيف يحورون الحجج ويفحمون الخصوم.
ومن المهم أن نميز بين هذا النوع من الجدل الخطابي وبين الجدل الفلسفي (الديالكتيك)، فالذين يمارسون الأول يضعون الفوز نصب أعينهم، على حين أن أصحاب الجدل الفلسفي يحاولون الوصول إلى الحقيقة، وهذا في الواقع هو الفرق بين المجادلة والمناقشة.
Bilinmeyen sayfa