وأخذ الخطيب يبين للحاضرين دلالة الرسوم الهيروغليفية على معانيها، فذكر أن الله كان يرمز له بصورة رجل مهيب جالس على كرسي، وأن «لا» النافية يرمز لها بذراعين ممدودين على خط مستقيم، وأن الأرواح يرمز لها بثلاثة من الطير - وبهذه المناسبة ذكر الحديث المشهور: «أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر.» وتكلم على ما يعتقده عامة اليوم من «تقمص أرواح الموتى للذباب الأخضر» - وأن العابد يرمز له برجل رافع يديه تعبدا، والأرض بقوس تحته حصى، وقال: إن الإفرنج كانوا يعتقدون إلى ما قبل عشر سنين أن قدماء المصريين وثنيون، ولكن زال هذا الاعتقاد باكتشاف هذه الصيغة التي يعززها عدم وجود أصنام في مقابر ذلك العهد القديم.
من أين أتى التوحيد لقدماء المصريين على هذه الصورة؟
أتاهم التوحيد من نوح عليه السلام؛ فقد كان موحدا بدليل قوله تعالى:
شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا ، والخطاب للمسلمين الذين قدمنا عقيدتهم في التوحيد. وهنا يتجه اعتراض مؤداه: أن الشرك كان شائعا عند قدماء المصريين بدليل قوله تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام:
أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ، ومعلوم أن يوسف كان سجينا عند فرعون مصر. ونجيب على هذا بأن عقيدة الشرك لم تدخل مصر إلا مع العرب الذين دخلوا مصر في العهد القديم؛ أي قبل عصر الأسرات؛ ولذلك كان المصريون يطلقون على بلاد العرب اسم بلاد الوثنية.
ثم ذكر الخطيب أن الوثنية سليلة بلاد العرب، بدليل أن محمدا
صلى الله عليه وسلم
وجد بالكعبة 365 صنما فهشمها، ثم أكد الخطيب أنه جمع أسماءها العربية فوجد أسماء تشابهها في اللغة الهيروغليفية؛ مما يدل على نقلها من العربية، وضرب مثلا بصنم اسمه «بوانة» الذي حرفه الفرنج فجعلوه «فينكس»؛ لأن الباء تنطق في الهيروغليفية كالفاء، وقد ذكر العرب هذا الصنم باسم «فقنس»، وقال أصحاب الأساطير: إنه طائر يأتي من جزيرة العرب ويقف على معبد عين شمس، ثم يرفرف بجناحيه فيتقد نارا تلتهمه، ثم يخلق منها ثانية. وما نقله العرب هذا حديث خرافة كالخرافات اليونانية. ومن هذه الأصنام العربية اللات والعزى ومناة، وإن لها ذكرا في اللغة الهيروغليفية مع بعض التحريف، ثم سئل الخطيب: كيف تغلب الشرك على التوحيد؟ فقال: إن ذلك راجع إلى قوة المتغلب.
وسئل عن صيغة التوحيد التي أوردها آنفا، فقال: إنها موجودة في أوراق البردي القديمة، ثم استطرد إلى تعريف البردي فقال: إنه نبات يزرع في الوجه القبلي، وتخرج منه غلة تشبه القمح كان المصريون يقتاتون منها، وذكر أنهم كانوا يأخذون أوراقه ويلصقونها بعضها ببعض بالصمغ، وقد وجد الخطيب منها قطعا يبلغ طول بعضها ثلاثة أمتار. أما اللوتس «البشنين» فإنه يزرع في الوجه البحري، وهو ينتج ثمرة مثل الشعير كانوا يقتاتون بها أيضا، ويختلف عن البردي في أن أوراقه مسننة لا مستديرة، وقد سطر المصريون على هذه الأوراق علومهم من طب وهندسة وحساب ورؤى فيها تمرينات على هذه العلوم ومسائل وأشكال هندسية.
ثم قال حضرة الخطيب: إن هذين النبتين يرمز بهما لمن حكم الوجهين البحري والقبلي، فإذا رأينا كرسيا مرسوما عليه صورة البردي واللوتس عرفنا أن الملك الجالس عليه كان يحكم الوجهين البحري والقبلي؛ لأن من يملك الغذاء يملك الرقاب.
Bilinmeyen sayfa