التهذيب
كان حكيم يهذب أحداثا فقال لهم: يا أكباد آبائكم، تعلموا حرفة ولا تعتمدوا على ما لديكم من ثروة أو متاع؛ لأن من اعتمد عليهما وقصر في تعليم نفسه هلك، واعلموا أن الذهب واللجين منبع المتاعب ومصدر المصائب، فإن لم يسلبها سالب أسرف فيها صاحبها وبذرها، أما الحرفة فكالبئر البكر لا ينضب معينها، أو الأرض الخصبة لا يهلك زرعها، ولو أن صاحب فن فقد مالا فلا يحزنه ذلك؛ لأن في فنه ماله وغناه، ولا يعزب عن أذهانكم أن الإكرام والتبجيل لا يكونان إلا لذي صنعة، أما من لا صنعة له فنصيبه المذلة والهوان والفقر. •••
حدثت في دمشق الفيحاء ثورة، فهاج البلد وماج، فلما أصاب المدينة من الاضطراب ما أصابها اختلط الحابل بالنابل، وضربت الفوضى أطنابها، فتخلى الوزراء عن مناصبهم، وترك الكبراء مراتبهم؛ ففاز المهذبون من أبناء الفقراء بتلك المناصب، وكان نصيب الأغنياء الجهال الفقر وذل السؤال:
العلم يرفع بيتا لا عماد له
والجهل يخفض بيت المجد والشرف
مرض تاجر غني وشعر من نفسه بدنو أجله، وانقضاء عمره؛ فاستدعى ولدا له وأوصاه فقال: يا ولدي، إن ورثتني وفزت بثروتي فلا تهمل تهذيب نفسك وتدريبها على عمل من الأعمال؛ فقد يذهب الذهب، وتدول دولة الغنى، ولا ترى لك نصيرا تلجأ إليه في الفاقة، وتستغيث به لدى الحاجة، فلا يبقى لك سوى ما اكتسبت من المعرفة، وما علمته بالممارسة.
سمعت أستاذا يقول لتلميذه: لقد شغلت الدنيا قلوب الناس، ولو أنهم شغلوا أنفسهم بخالقهم عشر شغلهم بها لكان مكانهم في الجنة أعلى من أماكن الملائكة، ولو فطن الإنسان إلى أن الله لم يتركه سدى وهو نطفة مذرة، بل وهبه نفسا زكية، وفؤادا عاقلا، وحلاه بحلية النطق، وجعله في أحسن تقويم لم يخش قط أن يهمله أو يعوق عنه رزقه.
صبر الحكماء
احتسب عالم في ولد له، فلما ووري التراب سألوه عن أي آي القرآن الكريم يكتبون على قبر ولده، فقال: إن آيات الكتاب الكريم أرفع من أن تكتب على القبور؛ فقد يعدو الزمان عليها فيطؤها الناس بأقدامهم إذا طال العهد على الجدث وتهدم، وإذا كان لا بد من النقش على اللحد فانقشوا: «كان ولدي كزهرة الربيع، فتعهدتها حتى نمت وأزهرت، ولما أن جاء الخريف ذوت وذبلت، فمصابي بها مصاب الزارع حرث وغرس، فلما أن نضج الزرع أرسل الله عليه وابلا من السماء؛ فهو جل وعلا منع ما أعطى، واسترد ما منح، فله الحمد من قبل ومن بعد.»
حكم ومواعظ شتى
Bilinmeyen sayfa