وتمد له يدها بحركة ذات مغزى فيضع لها فيها قطعة فضية من ذات الخمسة القروش، ولكنها تردها بإباء ولا تقبل بأقل من عشرة قروش، أو عشر أجر سنان في شهر كامل! وتقول له: أتعرف المعلم حلمبوحة؟ قل له إنك حاضر من طرفي، إنه راعيها وولي أمرها، وهو الذي جاء بها إلى حارتنا من المجهول!
فيقول سنان بضيق: ظننتك ستوصلينني بغير وسيط! - لا أملك إلا أن أدلك على الطريق!
ويذهب سنان إلى حلمبوحة في دكانه الصغير الذي يبيع فيه الدخان والمنزول، يجده كما يعهده عجوزا أعمش جاف الخلق، فيحييه ويقول له همسا: إني قادم من طرف أم سعد.
فيرمقه بازدراء ويقول باقتضاب حاسم: جنيه مصري!
فيقول سنان بارتياع: إنه مبلغ جسيم يا معلم!
فيعرض عنه قائلا: وفر نقودك واذهب لحالك.
لا شيء يمكن أن يثني سنان عن مطمحه، إنه يبيع خاتمه الفضي الموروث عن أبيه بجنيه، ويهبه لحلمبوحة مسلما أمره للمقادر. يتفحص الرجل الجنيه، يدسه في جيبه، ثم يقول لسنان: لم يبق إلا هريدي الحملاوي، تعرفه؟
يغوص قلب سنان في صدره ويسأله: ما شأنه؟ - إنه خطيب البنت، ولا يرضى بأقل من جنيهين.
فيتأوه سنان قائلا: إنها ثروة، ثم إنها سلسلة بلا نهاية! - هريدي ختام السلسلة. - ولكن من أين لي بالجنيهين؟ - خذ نقودك واذهب!
ويرد إليه الجنيه بحدة، يتناول سنان الجنيه بقلب طافح باليأس، ثم يمضي بلا هدف، وتقوده قدماه إلى البوظة، فيسكر حتى يقول لنفسه: سأبلغ مناي ولو طرت إليه فوق سحابة!
Bilinmeyen sayfa