وفي سنة 1806 كان السمن قد أخذ سبيلا إلى بدنه فخفت مقدرته على احتمال حياة التنقل، ففي 27 سبتمبر بينما كان في مايانس مع الإمبراطورة وتاليران أصابه عند الوداع ضعف فجائي فضم بذراعيه جوزفين وتاليران معا، وأخذ يخاطبهما بكلام ملؤه حنو حتى أبكاهما، وما كان الدمع ليسكن نابوليون، بل انتهى بنوبة عصبية شديدة من تشنج وقيء، حتى إذا ثاب إلى نفسه أفلت منهما وأمر بالرحيل.
نابوليون الإمبراطور.
وفي 13 أكتوبر أرسل إليها يقول: لقد نحلت في هذه السفرة، ها أنا ذا أقطع كل يوم عشرين ميلا راكبا، أنام الساعة الثالثة وأنهض نصف الليل فأفتكر أنك في هذه الساعة لا تزالين مستيقظة.
وفي غد اليوم الذي خط فيه هذه الكلمات جرت موقعة يانا الشهيرة، فكتب إليها وكانت في مايانس مع الملكة هورتنس والأميرة ستفاني: لقد انتصرت انتصارا باهرا على البروسيان يا صديقتي، وكاد الملك والملكة يقعان في أسري، ثم أعقب هذه الرسالة في اليوم التالي بمثلها: لقد صدق تدبيري فقهر جيش العدو كل القهر، ولم يبق إلا أن أقول: إنني بخير، وإن التعب والسهر ونوم الخيام قد أكسبني سمنا.
وفي 28 نوفمبر أخلى الروس فرسوفيا فدخلها مورا وأقام هو في بوزن أو بولزانو كما يسميها الطليان اليوم، ومنها كتب يخبر جوزفين أنه حضر ليلة راقصة كان فيها كثير من النساء الغنيات الجميلات، وكن لا يحسن اللبس على الرغم من أن الأزياء باريزية.
وهكذا لم يكن يمضي يوم دون أن يخط إلى زوجته قبل النوم ولو سطرا يشركها به في تأثراته، وقد يوجز ما أمكن الإيجاز، ولكن كلماته كانت تتقد شوقا وغراما، كما ترى من الرسالة الآتية: «كنت في المرقص، ليلة ماطرة، صحتي حسنة، أحبك وأذوب شوقا إليك، كل نساء بولونيا فرنسويات، ولكن في نظري لا يوجد إلا امرأة واحدة، أتعرفينها؟! ما أطول الليالي بعيدا عنك! أرجو أن أدعوك إلى موافاتي عند سنوح الفرصة، إن حرارة كلماتك أرتني أنك لا تعرفين الموانع، وما تريده المرأة يكون، أما أنا فإني عبد ومولاي لا يعرف الرحمة، وهو طبيعة الأشياء.»
وكان حبه لجوزفين قد تجدد كأنه في الزمن الأول، وكل رسائله تنم عن حالة نفسية حسنة، وهي دليل على الصحة، كما كان يقول: أنا بخير، وعمري ما نعمت بالصحة مثل الآن.
الإمبراطورة جوزفين.
وفي 18 مايو كتب يقول: إنه وصل إلى درسد بصحة تامة على الرغم من بقائه في المركبة مائة ساعة دون أن يتحرك.
وقد روى الكونت سيكور في مذكراته أن نابوليون ابتدأ يشعر بآلام المعدة وهو في فرسوفيا من سنة 1806، وكان يقول إنه سيموت كأبيه، إلا أن هذه الغمامة السوداء سرعان ما تبددت لأن رسائله لذلك العهد تشير إلى شيء من هذا.
Bilinmeyen sayfa