قال سلمة: ومضى الرجل ونحن معه نحو الماء وجعل يرتجز ويقول "من الرجز":
أَمن عزيفِ الجنِّ في دَوْحِ السَّلَمْ ... ينكلُ مَن وَجَّههُ خيرُ الأُممْ
من قبلِ أن يبلغَ آبارَ العَلَمْ ... فيستقي والليلُ مبسوطُ الظُّلَمْ
ويأْمنُ الذَّمَّ وتوبيخَ الكَلِمْ
ثم مضى، حتى إذا كان في ذلك الموضع، سمع وسمعنا من الشجر ذلك الحسَّ، وتلك الحركة؛ فذُعر ذعرًا شديدًا حتى ما يستطيع أحدنا أن يُكلِّم صاحبه. فرجع ورجعنا لا نملك أنفسنا.
فقال رسول الله ﷺ للرجل: ما حالك؟ فقال: يا رسول الله؛ والذي بعثك بالحقِّ لقد ذُعرت ذعرًا شديدًا ما ذُعرت مثله قط. وقلنا ذلك معه.
فقال رسول الله ﷺ: تلك عصابة من الجنِّ هوَّلوا عليكم؛ ولو سرتَ حيث أمرتك لما رأيت إلاَّ خيرًا، ولرأيت فيهم عبرة ولم ترَ سوءًا.
قال: واشتدَّ العطش بالمسلمين، وكره رسول الله ﷺ أن يهجم بالمسلمين في الشجر والدَّغل ليلًا.
فدعا عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليه، فأقبل إلى النبيّ ﷺ، فقال له: سرْ مع هؤلاء السُّقاة حتى ترِد بئر العلم، فتسقي وتعود إن شاء الله. قال سلمة بن الأكوع: فخرج عليٌّ أمامنا ونحن في أثره، والقِرَبُ في أعناقنا، وسيوفنا بأيدينا؛ وعليٌّ يقدمنا، وإنّا لنحضر خلفه ما نلحقه، وهو يقول "من الرجز":
أعوذُ بالرَّحمنِ أن أميلا ... من عزفِ جِنٍّ أظهرت تهويلا
وأوقدت نيرانها تعويلا ... وقرّعت معْ عزفها الطبولا
قال: فسار ونحن معه، نسمع تلك الحركة، وذلك الحسَّ، فدخلنا من الرُّعب مثل الذي كنّا نعرف. وظننَّا أن عليًّا سيرجع كما رجع صاحباه. فالتفت إلينا وقال: اتبعوا أثري، ولا يفزعنّكم ما ترون، فليس بضائركم إن شاء الله. ومرَّ
1 / 47