فهتف: لست من الحمقى.
لأول مرة يتساءل عما فات وعما هو آت، ويتذكر الأموات، ويتذكر الأولياء الذين عمروا ألف عام، والخراب الذي يعبث بالأقوياء، وأن الغدر ليس وقفا على ضعف النفس والرجال، وأن هدم زفة مسلحة أيسر ألف مرة من صد ثانية بما لا يقال، وأن البيت يجدد والخرابة تعمر لا الإنسان، وأن الطرب طلاء قصير الأجل فوق موال الفراق.
وطوق رأسه باللاثة وسألها: أتدرين ما هو الدعاء؟
ولما لم تجبه قال: أن يسبق الأجل خور الرجال!
43
وقالت عجمية عقب ذهابه إن ما يبقى للإنسان هو الإيمان. وجاءها نعي أبيها دهشان فصرخت صرخة ارتجت لها قضبان الشباك.
44
بكت عجمية أباها دهشان طويلا. جعلت تقول إن الإنسان يصبح بطول العمر عادة محبوبة يتعذر تصور الدنيا بغيرها. وحزن شمس الدين لوفاة صديقه وصديق أبيه من قبل، ولكن لم يزعجه موت كما أزعجه موت عنتر الخشاب صاحب الوكالة؛ فهذا رجل يماثله في السن، يقف معه في صف واحد، وتدهورت صحته بغتة عقب شلل مفاجئ. ولكن الموت لا يهمه، لا يزعجه بقدر ما تزعجه الشيخوخة والضعف. إنه يأبى أن ينتصر على الفتوات وينهزم أمام الأسى المجهول بلا دفاع. وتساءل في دهشة: ألم يكرم عاشور الناجي بالاختفاء وهو في عز القوة والكرامة؟!
45
وجرت أمام عينيه بمجلسه بالقهوة مصارعة ودية بين ابنه سليمان وبين شاب آخر من رجاله يدعى عتريس. تعادلا في القوة والمهارة دقائق حتى تمكن سليمان من هزيمة صديقه.
Bilinmeyen sayfa