39
تنساب عربة مكللة بالزهور والحياء. صلصلة عجلاتها المدوية لا يسمعها أحد. الأذن لا تسمع إلا ما ترغب في سماعه. يتوهم الفحل أنه اقترن بالدنيا قران دوام، ولكن العربة لا تتوقف والدنيا زوج خئون.
40
دأبت عجمية على صبغ شعرها بالحناء. غزاها المشيب منذ بلغت الخمسين، فلما شارفت الستين لم يبق برأسها شعرة سوداء واحدة. الحناء تروي الشعر بماء الغسق، وتضفي عليه حرارة وشموخا. وهي ما زالت قوية، تفيض بالحيوية، متحركة لا تهمد، تواصل العمل مع الشمس وأحيانا مع الشمس والقمر، ولم تزايلها النضارة، واكتسبت مع الأيام بدانة فاخرة. لم يتسلل إلى هيكلها المتين ما يثير هواجس الحذر.
ويداعبها شمس الدين فيقول لها وهو يلحظ عجينة الحناء: ما جدوى الكذب يا ولية؟!
فتسائله ساخرة: إذا كان الشيب علامة صادقة فلم يبق رأسك أسود؟
فاحم الشعر، قوي البنيان، مستمسك بالقوة والرشاقة والبهاء، إنها تضمر نحوه حبا وإعجابا بلا حدود ، ومسا من الغيرة والخوف؛ لم يتزوج بأخرى، لم يرتكب إلا هفوة عابرة لم تتكرر مع عجوز في سن أمه، ولكن من ذا يضمن المستقبل؟!
41
وذات صباح وهو يمشط ذؤابته حملقت عجمية في رأسه، وبفرحة لم تفلح في مداراتها هتفت: شعرة بيضاء!
التفت نحوها باهتمام كما يلتفت إلى صوت النذير في المعركة. حدجها باستياء فقالت: شعرة بيضاء وحق النعمة!
Bilinmeyen sayfa