27
اختفى محمود قطائف تاركا خلفه رائحة تبغ وعرق، وترك صمتا تتلاقى فيه النظرات وتتباعد. وثمة تناحر بين الفتى وأمه، بين الفتى وغرائزه، وزينة الدنيا ذات رائحة نفاذة ينجذب إليها لحل الأهواء المكبوتة. في هذه الحجرة الحقيرة تضطرم أحلام باللآلئ والنعيم والضجعة الطيبة. همسات النفس يحمر لها الوجه خجلا؛ أمه الجميلة المتمردة ذات الالتفاتة الساحرة، جمالها مجهول النسب يتجسد ضعفه البغيض المستتر.
وقال لها متحديا: الفتوة كما تعلمت هو حامي الحارة وراعيها وكابح قوى الشر فيها.
فقالت ساخرة: وهو لا يتميز عن أي متسول فيها!
فقال بحرارة: أمي، كوني معي لا علي! - إني معك دوما والله شهيد.
فهتف منقضا على أمه ونفسه معا: أريد أن أكون جديرا باسم الناجي وعهده.
فقالت أمه بظفر: عاشور لم يتردد عن وضع يده على دار البنان الخالية!
فقال غاضبا: العبرة بالخاتمة! - بل أعطانا في كل حال مثلا يحتذى.
فقال بازدراء: سيجيء زمن نلصق فيه بعاشور العظيم كل خلجة ضعف تضرب في نفوسنا.
28
Bilinmeyen sayfa