وقف الخصام عند ذاك الحد. وسرعان ما تصافيا في اليوم التالي. وفي مساء ذلك اليوم بشرته بأنها في طريقها إلى الأمومة.
30
ماتت حماته العجوز الضريرة ميتة غريبة.
سقطت من نافذة الصالة المطلة على المنور فتهشم رأسها. لعله من حسن حظ بدر الصعيدي أنه كان وقت ذاك في دكانه. وجرت الإجراءات سراعا وبلا عرقلة حتى شيعت القتيلة إلى قبرها. احتفل بدر بالجنازة والمأتم إكراما لمحاسن ولمركزه في الحارة. ووجد رغم ذلك حرجا لسابقة العداء المستحكم بينه وبين الراحلة.
وبكت محاسن بكاء مرا حتى قال لها: لا تبكي فأنت حبلى.
فسألته بعتاب قاس: ألا تهمك المرحومة؟
ولما لاذ بالصمت اتهمته قائلة: لا تدار فرحتك!
فقال محتجا: الموت يفرض احترامه.
وعددت محاسن مزايا أمها التي لا يجوز أن تنسى. كانت تحبها رغم مشاكستها السطحية، ومن قبل أحبت أباها لدرجة العبادة. وشد ما تحطمت عند مصرعه في عز شبابه. وشد ما تحطمت عندما قضي على أخيها بالتأبيدة. وأدمنت الأفيون فاضطرب سلوكها واتهمت بكل سوء. هكذا فقد بصرها فزادت تعاستها. وتكالبت عليها الأحزان وهي مهملة في بيت رجل لم يرحب بوجودها قط!
وقالت أيضا إنها كانت في شبابها من أجمل بنات بولاق، وأنها آثرت الزواج من أبيها على الاقتران بقصاب غني، فلم تكن تافهة أبدا.
Bilinmeyen sayfa