3
وكانت فتحية - شقيقة صديقه عتريس - زميلته في الكتاب. وغابت عنه دهرا حتى رآها مرة أخرى في جنازة أبيه. ورغم حزنه مال قلبه إليها. كانت تقاربه في السن، في أنفها فطس، عميقة السمرة، جميلة العينين، ذات حيوية فائقة، وشعر بأن الزواج جدير بأن يصون فتونته من مباذل لا تليق بالفتونة النقية. هكذا طلب يدها من عتريس، وسرعان ما زفت إليه، واستبشرت الحارة بالزواج خيرا، وعدته نصرا للحرافيش والفتونة النقية.
4
ومضت عشرة أعوام هادئة. كان سليمان يعمل شاعرا بأن الفتونة عبء ثقيل وبهجة عابرة. وكانت فتحية تعمل كما عملت عجمية وفلة من قبل، وتلد بنتا بعد بنت.
وفي العام الأخير من أعوامه الهادئة رأى سنية السمري.
من مجلسه في القهوة في أوقات الراحة يراها والدوكار يمضي بها. كريمة السمري كبير تجار الدقيق، براقة المنظر في طزيرتها، تطل من فوق برقعها الأبيض عينان سوداوان ساجيتان ساحرتان، يبعث مرورها السريع الدفء والإلهام.
تعلق بالدوكار اهتمامه. امتد بصره إلى دار السمري السامقة. حلم على إيقاع جرس الدوكار برقص الفتوات في أعقاب الظفر. تاه بعملقة الفتوة على تواضع الكارو. وتساءل من يجلس إذا سليمان وقف؟ وعدا بوابة التكية فأي باب يغلق في وجهه. والضعف قبيح، ولكن ألم يعشق عاشور فلة جدته. أليست دار السمري أنقى من خمارة درويش؟ هل كان عاشور ينكص إذا كانت فلة كريمة للبنان؟ هل غير استيلاؤه على دار البنان من عدله وطيبته؟ وهو قادر على قهر الفتوات ومحق الإغراء، ولكن الحب قدر. وحتى شمس الدين في هوى قمر وقع. سيجزع الحرافيش ويفرح السادة، ولكن سليمان لن يتغير. ثم ما الحيلة إذا كان الحب حكم. أجل ما زالت فتحية الزوجة المخلصة والأم الولود، وهي أيضا شقيقة عتريس الوفي. الحب الجديد غطاها كالموجة الصاخبة، ولكن جذورها هناك راسخة. ما أعذب الألم في محن الأهواء الجامحة!
5
عقب صلاة الجمعة سار سعيد الفقي شيخ الحارة إلى جانبه. قبيل القهوة قال له: رأيت يا معلم حلما عجيبا.
فحدجه سليمان بنظرة متسائلة فقال: حلمت بأن أناسا طيبين يتمنون لقاءك.
Bilinmeyen sayfa