رغم ذلك كله ألهبه الجزع بسياطه، ورأى الزمن يجري حتى توارى في الأفق تاركا إياه وحيدا في الخلاء مع طموحه المقدس. ومن نفاد الصبر مضى إلى قارئة فنجان في التوفيقية، نصف مصرية ونصف إفرنجية، تناولت فنجانه وراحت تقرؤه وهو يتابعها باهتمام لا يخلو من خجل ويقول لنفسه إنه ما كان يجوز له أن يؤمن بهذه الخرافات. قالت له: صحتك ليست على ما يرام ..
الصحة جيدة بلا ريب. ولكن صحته النفسية عليلة. لعلها صدقت على أي حال ..
قالت المرأة: سيأتيك مال وفير ولكن من خلال متاعب كثيرة.
إنه لا يطلب المال وإن يكن حريصا على كل مليم يجيئه. لعلها تقصد علاوات الترقية المقدرة في عالم الغيب. - وعدو لك سيذهب في طريق فلا يعود منه ..
الأعداء كثيرون. يختفون وراء الابتسامات الخلابة والكلمات المعسولة. في طريقه يوجد وكيل إدارة ثالثة ووكيل آخر ثانية ومدير إدارة أولى. جميعهم أصدقاء - أعداء كما تقضي به إرادة الحياة الطاهرة القاسية.
وفي حياتك زيجتان ..
إنه لم يوفق إلى الزواج من واحدة، ولكن هذا هو جزاء من تدفعه الوساوس إلى الوقوع في أحضان الخرافات. وتذكر في طريق عودته أنسية رمضان. في طريق الصحة والأناقة تتقدم؛ فنعمة الوظيفة سرعان ما تتجلى على الفقراء. هو رئيسها الحنون. تربطهما علاقة إنسانية رقيقة مهذبة يتعذر - حتى الآن - تسميتها. على أي حال لم يعد يتصور المحفوظات بغير وجودها العطر.
ولما رجع إلى حجرته لحقت به أم حسني وقالت له باهتمام أثار ابتسامته: ست أصيلة هانم عندي وهي .. - الناظرة؟ - نعم، وهي تريد أن تستعين بك في بعض شئونها.
أدرك في الحال أن المرأة جاءت لتطوقه بضفيرتها. وانساق إلى المغامرة بغريزته المتطلعة. صافح أصيلة لأول مرة. كانت ترتدي فستانا أزرق يكشف عن نحرها وساعديها، ويبرز مفاتنها. ها هي تعرض عليه نفسها مهما ادعت من أسباب حقيقية أو وهمية. وأثارته كما أثارته سنية وقدرية. إنهن نمط واحد. شهي مثير لا خير في الزواج منه. وقالت أم حسني: سأذهب لأعد لكما القهوة ..
لها تكتيك واحد العجوز الساعية وراء الحلال. وها هما يجلسان على كنبة واحدة لا يفصلهما إلا وسادة. أمال رأسه ليستوي شاربه مرسلا طرفه إلى ساقها المدمجة المغروسة في حذاء ذي كعب واطئ أشبه بكعوب أحذية الرجال. - تشرفنا يا هانم. - ولي عظيم الشرف.
Bilinmeyen sayfa