ها هي طليعة الشيب تغزو رأسه، والحياة المجيدة تنقضي كالحياة التافهة، وكم يتبقى له من الزمن يا ترى؟!
21
وقال له حمزة السويفي يوما في مناقشة على هامش العمل اليومي: السعادة هي غاية الإنسان في هذه الحياة ..
فقال عثمان بازدراء باطني: لو كان الأمر كذلك لما سمح سبحانه بخروج أبينا من الجنة .. - إذن فما الهدف من الحياة في نظرك؟
فأجاب باعتزاز: الطريق المقدس .. - وما هو الطريق المقدس؟ - هو طريق المجد، أو تحقيق الألوهية على الأرض!
فتساءل حمزة بدهشة: أتطمح حقا إلى سيادة الدنيا؟ - ليس ذلك بالدقة، ولكن في كل موضع يوجد مركز إلهي ..
ورمقه الرجل بنظرة غريبة فقال لنفسه - نادما - إنه يظن بي الجنون ..
وتطايرت شائعة بأن حضرة صاحب السعادة بهجت نور سينقل إلى وزارة أخرى، فخفق قلبه خفقة كاد يخلع لها. لقد فعل المستحيل حتى حاز ثقته فمتى يحوز ثقة القادم المجهول؟ ولكن الشائعة لم تتحقق .. ويوما سلمه مجموعة ضخمة من الأوراق قائلا: هذه أصول ترجمة كتاب عن الخديوي إسماعيل، ترجمتها في نصف عام!
نظر عثمان إلى الأوراق باهتمام فقال صاحب السعادة: يهمني أن تراجع الأسلوب، أسلوبك فذ حقا ..
تلقى التكليف بسعادة شاملة، وأكب على العمل بهمة وقوة وعناية فائقة. وفي شهر واحد أعاده إلى صاحب السعادة في صورة بيانية كاملة. بذلك قدم الخدمة التي تلهف طويلا على تقديمها، وأصبح رصيده عند صاحب السعادة دائنا، وحظي - عند كل لقاء - بابتسامة لا يحظى بها المقربون.
Bilinmeyen sayfa