ومضى نحو الباب ولكن صوت الرجل أدركه قائلا: اقترحت رفع درجة رئيس المحفوظات إلى الرابعة في الميزانية الجديدة.
رجع في خطوة واسعة واحدة وانحنى حتى كاد رأسه يمس طرف المكتب.
18
وثبة موفقة لا شك في ذلك. وإذا جرى الحظ بذلك المعدل فربما بلغ المراد في اثني عشر عاما أو خمسة عشر، ويتبقى له عدد لا بأس به من السنين يمارس فيه الإدارة الكبرى كصاحب سعادة. أما مهمة أم زينب فقد باءت بفشل أكيد، لم يعد من مجال للشك في ذلك. - رئيس المحفوظات رفض بلا عناء، مدير الإدارة ربما قبل، أما صاحب السعادة فلا يمكن رفضه ولو بلغ أرذل العمر!
لا حصر للأسباب التي تدعوه للزواج. منه يستمد العون، ويبدد وحشة القلب وعذابات الوحدة، ويرضي ورعه الديني الذي يرى عزوبته إثما. قدرية تلعب دورا ملطفا في حياته المتوترة ولكنها لا تهيئ رحمة أو حنانا أو مودة إنسانية، فضلا عن مضاعفتها لمشاعر الإثم. العزاء الباقي هو العمل، والثقافة، والادخار، وكلما ضاق بتقشفه قال لنفسه: هكذا عاش الخلفاء الراشدون!
وذات يوم وهو يعمل في المحفوظات بوغت بسعفان بسيوني يقف أمامه مهدما مهزولا كأنه شبح يودع الحياة. نهض للترحيب به خجلان من هول ما أهمله. وأجلسه وهو يقول بحرارة مفتعلة: أي فرصة سعيدة!
فاستجمع العجوز أنفاسه بجهد جهيد ثم تمتم: كم أوحشتنا يا رجل!
فهتف بأسف وندم: اللعنة على العمل، اللعنة على البيت ومن فيه، كم إنني آسف يا صديقي العزيز ..
قال بصوت شاك: أنا مريض يا عثمان .. - لا بأس عليك، بخير إن شاء الله، هل آمر لك بقهوة؟ - لا شيء ألبتة، كل شيء ممنوع .. - ربنا يرد لك الصحة والعافية ..
غاص في الحرج والضيق ولم يدر كيف يمكن أن تنتهي هذه المقابلة التعيسة. وصمت سعفان قليلا ثم قال بانكسار وذل: إني في مسيس الحاجة إلى ثلاثة جنيهات.
Bilinmeyen sayfa