٥- أَخْبَرَنَا أَبُو مُوسَى، أَنْبَأَ أَبُو غَالِبٍ، أَنْبَأَ أَبُو بَكْرٍ، وَأَنْبَأَ حَبِيبٌ، وَمُحَمَّدٌ، أَنْبَأَ مَحْمُودُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالا: ثنا أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ، ثنا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ الصَّنَعَانِيُّ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيُّ، قَالا: أَنْبَأَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، ثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ ﵂ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ﵁.
قَالَ أَبُو أُوَيْسٍ وَحَدَّثَنِي أَيْضًا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الأَنْصَارِيُّ، ثُمَّ النِّجَّارِيُّ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيَّةِ ثُمَّ النِّجَّارِيَّةِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَتْ:
كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُسَافِرَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، فَخَرَجَ سَهْمُ عَائِشَةَ فِي غَزْوِ النَّبِيِّ ﷺ، بَنِي الْمُصْطَلَقِ مِنْ خُزَاعَةَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَكَانَ قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ جُوَيْرِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ قَلِيلَةُ اللَّحْمِ خَفِيفَةٌ، تَلْزَمُ خِدْرَهَا، فَإِذَا أَرَادَ النَّاسُ الرَّحِيلَ ⦗٣٢⦘ ذَهَبْتُ وَتَوَضَّأْتُ، وَرَجَعْتُ فَدَخَلْتُ مَحَفَّتَهَا، فَتُوضَعُ عَلَى الْبَعِيرِ.
فَكَانَ أَوَّلُ مَا قَالَ فِيهَا الْمَنَافِقُونَ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنِ اشْتَرَكَ فِي أَمْرِ عَائِشَةَ أَنَّهَا خَرَجَتْ تَتَوَضَّأُ حِينَ دَنُوا مِنَ الْمَدِينَةِ، فَانْسَلَّ مِنْ عُنُقِهَا عِقْدٌ لَهَا مِنْ جَزْعِ أَظْفَارٍ، فَارْتَحَلَ النَّبِيُّ ﷺ وَالنَّاسُ، وَهِيَ فِي بِغَاءِ الْعِقْدِ، وَلَمْ تَعْلَمْ بِرَحِيلِهِمْ، فَشَدُّوا عَلَى بَعِيرِهَا الْمَحْفَةَ وَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّهَا فِيهَا كَمَا كَانَتْ تَكُونُ، فَرَجَعَتْ عَائِشَةُ إِلَى مَنْزِلِهَا فَلَمْ تَجِدْ فِي الْمُعَسْكَرِ أَحَدًا، فَغَلَبَتْ عَيْنَاهَا.
وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السَّلْمِيُّ صَاحِبُ النَّبِيِّ ﷺ تَخَلَّفَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ عَنِ الْعَسْكَرِ حَتَّى أَصْبَحَ.
قَالَتْ: فَمَرَّ بِي فَرَآنِي وَاسْتَرْجَعَ، فَأَعْظَمَ مَكَانِي حِينَ رَآنِي وَحْدِي، وَقَدْ كُنْتُ أَعْرِفُهُ وَيَعْرِفُنِي قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ.
قَالَتْ: فَسَأَلَنِي عَنْ أَمْرِي، فَسَتَرْتُ وَجْهِيَ عَنْهُ بِجِلْبَابِي وَأَخْبَرْتُهُ بِأَمْرِي، فَقَرَّبَ بَعِيرَهُ، فَوَطِئَ عَلَى ذِرَاعِهِ، وَوَلانِي قَفَاهُ حَتَّى رَكبتُ وَسَوَّيْتُ ثِيَابِي، ثُمَّ بَعَثَهُ، فَأَقْبَلَ يَسِيرُ بِي حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ نِصْفَ النَّهَارِ أَوْ نَحْوَهُ، فَهُنَالِكَ قَالَ فِيَّ وَفِيهِ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ الإِفْكِ، وَأَنَا لا أَعْلَمُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلا مِمَّا يَخُوضُ النَّاسُ فِيهِ مِنْ أَمْرِي، وَكُنْتُ تِلْكَ اللَّيَالِي شَاكِيَةً.
وَكَانَ أَوَّلُ مَا أَنْكَرْتُ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ كَانَ يَعودُنِي قَبْل ذلك إِذَا مَرِضْتُ، وَكَانَ تِلْكَ اللَّيَالِي لا يَدْخُلُ عَلَيَّ وَلا يُعُودُنِي إِلا أَنَّهُ يَقُولُ وَهُوَ مَارٍ: كَيْفَ تِيكُمْ؟ فَيَسْأَلُ عَنِّي بَعْضَ أَهْلِ الْبَيْتِ.
فَلَمَّا بلغَ النَّبِي ﷺ مَا أَكْثَرَ فِيهِ مِنَ النَّاسِ مِنْ أَمْرِي غَمَّهُ ذَلِكَ، وَقَدْ كُنْتُ شَكَوْتُ قَبْلَ ذَلِكَ إِلَى أُمِّي مَا رَأَيْتُ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ مِنَ الْجَفْوَةِ، فَقَالَتْ لِي: يَا بُنَيَّةُ، اصْبِرِي، فَوَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ يُحِبُّهَا زَوْجُهَا، لَهَا ضَرَائِرٌ، إِلا رَمَيْنَهَا.
قَالَتْ: فَوَجَدْتُ حِسًّا تِلْكَ اللَّيْلَةَ الَّتِي بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى ⦗٣٣⦘ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَاسْتَشَارَهُمَا فِي أَمْرِي، وَكُنَّا ذَلِكَ الزَّمَانُ لَيْسَتْ لَنَا كُنُفٌ نَذْهَبُ فِيهَا، إِنَّمَا كُنَّا نَذْهَبُ كَمَا يَذْهَبُ الْعَرَبُ لَيْلا إِلَى لَيْلٍ، فَقُلْتُ لأُمِّ مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ: خُذِي الإِدَاوَةَ فَامْلِئِيهَا، فَاذْهِبِي بِنَا إِلَى الْمَنَاصِعِ، وَكَانَتْ هِيَ، وَابْنُهَا مِسْطَحٌ بَيْنَهُمَا، وَبَيْنَ أَبِي بَكْرٍ قَرَابَةٌ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُنْفِقُ عَلَيْهِمَا، فَكَانَا يَكُونَانِ مَعَهُ وَمَعَ أَهْلِهِ، فَأَخَذَتِ الإِدَاوَةَ، وَخَرَجْنَا نَحْوَ الْمَنَاصِعِ، فَعَثُرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتُ، قَالَتْ: ثُمَّ مَشَيْنَا فَعَثُرَتْ أَيْضًا، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتُ لِصَاحِبِ النَّبِيِّ ﷺ وَصَاحِبِ بَدْرٍ، فَقَالَتْ: إِنَّكِ لَغَافِلَةٌ عَمَّا فِيهِ النَّاسُ مِنْ أَمْرِكِ، فَقُلْتُ: أَجَلْ، فَمَا ذَاكَ؟، فَقَالَتْ: إِنَّ مِسْطَحًا، وَفُلانًا، وَفُلانَةً فِيمَنِ اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، يَجْتَمِعُونَ فِي بَيْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبِيِّ بْنِ سَلُولٍ، أَخِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، يَتَحَدَّثُونَ عَنْكِ وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطِّلِ، وَيَرْمُونَكِ بِهِ.
قَالَتْ: فَذَهَبَ عَنِّي مَا كُنْتُ أَجِدُ مِنَ الْغَائِطِ، وَرَجَعْتُ عَوْدِي عَلَى بِدْئِي إِلَى بَيْتِي.
فَلَمَّا أَصْبَحْنَا مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَأَخْبَرَهُمَا مَا قِيلَ فِيَّ، وَاسْتَشَارَهُمَا فِي أَمْرِي، فَقَالَ أُسَامَةُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عَلِمْنَا عَلَى أَهْلِكَ سُوءًا، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَكْثَرَ النِّسَاءَ، وَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ الْخَبَرَ فَتَوَعَّدَ الْجَارِيَةَ يَعْنِي: بَرِيرَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِعَلِيٍّ ﵁: " فَشَأْنُكَ أَنْتَ بِالْخَادِمِ ".
فَسَأَلَهَا عَلِيٌّ عَنِّي، فَلَمْ تُخْبِرْهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ إِلا بِخَيْرٍ، قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى عَائِشَةَ سُوءًا، إِلا أَنَّهَا جُوَيْرِيَّةٌ تُصْبِحُ عَلَى عَجِينِ أَهْلِهَا، تَدْخُلُ الشَّاةُ الدَّاجِنَ [فَتَأْكُلُهُ] .
قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ حِينَ سَمِعَ مَا قَالَتْ فِي بَرِيرَةُ لِعَلِيٍّ إِلَى النَّاسِ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، " مَنْ لِي مِنْ رِجَالٍ يُؤْذُونَنِي فِي أَهْلِي، مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي سُوءًا، وَيَرْمُونَ رَجُلا مِنْ أَصْحَابِي مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ سُوءًا، وَلا خَرَجْتُ مَخْرَجًا إِلا خَرَجَ مَعِي فِيهِ ".
⦗٣٤⦘ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الأَنْصَارِيُّ، ثُمَّ الأَشْهَلِيُّ مِنَ الأَوْسِ: إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَحَدٍ مِنَ الأَوْسِ كَفَيْنَاكَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فِيهِ بِأَمْرِكَ، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ الأَنْصَارِيُّ ثُمَّ الْخَزْرَجِيُّ، فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ: كَذَبْتَ وَاللَّهِ، وَهَذَا الْبَاطِلُ، فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ الأَنْصَارِيُّ ثُمَّ الأَشْهَلِيُّ وَرِجَالٌ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ فَاسْتَبُّوا وَتَنَازَعُوا، حَتَّى كَادَ أَنْ يَعْظُمَ الأَمْرُ بَيْنَهُمْ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ بَيْتِي، وَبَعَثَ إِلَى أَبَوَيَّ فَأَتَيَاهُ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا عَائِشَةُ، " إِنِّمَا أَنْتِ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ، وَإِنْ كُنْتِ أَخْطَأْتِ فَتُوبِي إِلَى اللَّهِ وَاسْتَغْفِرِيهِ ".
فَقُلْتُ لأَبِي: أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ لِي أَبِي: لا أَفْعَلُ، هُوَ نَبِيُّ اللَّهِ، وَالْوَحْيُ يَأْتِيَهُ، فَقُلْتُ لأُمِّي: أَجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَتْ لِي كَمَا قَالَ أَبِي، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَئِنْ أَقْرَرْتُ عَلَى نَفْسِي بِبَاطِلٍ لَتُصَدِّقُنَّنِي، وَلَئِنْ بَرَّأْتُ نَفْسِي وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنِّي بَرِيئَةٌ لَتُكَذِّبَنَّنِي، وَمَا أَجِدُ لِي، وَلَكُمْ مَثَلا إِلا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ، حِينَ يَقُولُ: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾، وَنَسِيتُ اسْمَ يَعْقُوبَ لِمَا بِي مِنَ الْحُزْنِ وَالْبُكَاءِ وَاحْتِرَاقِ الْخَوْفِ، فَتَغَشَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ كَمَا كَانَ يَتَغَشَّاهُ مِنَ الْوَحْيِ، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَمَسَحَ وَجْهَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: " أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ، فَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ بَرَاءَتَكِ ".
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَوَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ يُنَزَّلَ الْقُرْآنُ فِي أَمْرِي، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو لِمَا يَعْلَمِ اللَّهُ مِنْ بَرَاءَتِي أَنْ يُرِيَ النَّبِيَّ ﷺ فِي أَمْرِي رُؤْيَا، فَيُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا عِنْدَ نبيِّهِ ﷺ.
فَقَالَ لِي أَبَوَايَ عِنْدَ ذَلِكَ: قُومِي فَقَبِّلِي رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لا أَفْعَلُ، بِحَمْدِ اللَّهِ كَانَ ذَلِكَ لا بِحَمْدِكُمْ.
قَالَتْ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ، وَأُمِّهُ. فَلَمَّا رَمَانِي حَلَفَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ لا يَنْفَعُهُ بِشَيْءٍ أَبَدًا.
قَالَتْ: فَلَمَّا تَلا ﷺ قَوْلَ اللَّهِ ﷿: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ بَكَى أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، وَعَادَ النَّفَقَةَ عَلَى ⦗٣٥⦘ مِسْطَحٍ وَأُمِّهِ.
قَالَتْ: وَقَعَدَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ لِحَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ بِالسَّيْفِ، فَضَرَبَهُ صَفْوَانٌ ضَرْبَةً، فَقَالَ صَفْوَانُ لِحَسَّانَ فِي الشِّعْرِ حِينَ ضَرَبَهُ:
تَلَقَّ ذُبَابَ السَّيْفِ مِنِّي فَإِنَّنِي ... غُلامٌ إِذَا هُوجِيت لَسْتُ بِشَاعِرْ
وَلَكِنَّنِي أَحْمِي حِمَايَ وَأَنْتَقِمُ ... مِنَ الْبَاهِتِ الرَّامِي الْبُرَاةَ الطَّوَاهِرْ
ثُمَّ صَاحَ حَسَّانُ، وَاسْتَغَاثَ النَّاسَ عَلَى صَفْوَانٍ، فَلَمَّا جَاءَ النَّاسُ فَرَّ صَفْوَانٌ، فَجَاءَ حَسَّانُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَاسْتَعْدَاهُ عَلَى صَفْوَانٍ فِي ضَرْبه إِيَّاهُ، فَسَأَلَهُ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَهِبَ لَهُ ضَرْبَةَ صَفْوَانٍ إِيَّاهُ، فَوَهَبَهَا لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَعَاضَهُ عَنْهَا حَائِطًا مِنْ نَخْلٍ عَظِيمٍ وَجَارِيَةٍ رُومِيَّةٍ، وَيُقَالُ: قِبْطِيَّةٍ تُدْعَى سِيرِينَ، فَوَلَدَتْ لِحَسَّانَ ابْنَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الشَّاعِرُ.
قَالَ أَبُو أُوَيْسٍ: أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
قَالَتْ عَائِشَةُ: ثُمَّ بَاعَ حَسَّانُ ذَلِكَ الْحَائِطَ مِنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ فِي وِلايَتِهِ بِمَالٍ عَظِيمٍ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَبَلَغَنِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الَّذِي قَالَ اللَّهُ ﵎ فِيهِ: ﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبِيِّ بْنِ سَلُولٍ أَحَدُ بَنِي الْحَارِثِ مِنَ الْخَزْرَجِ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقِيلَ فِي أَصْحَابِ الإِفْكِ الأَشْعَارُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ ﵁، لِمِسْطَحٍ فِي رَمِيِّهِ عَائِشَةَ، وَكَانَ يُدْعَى ⦗٣٦⦘ عَوْفًا:
يَا عَوْفُ وَيْحَكَ هَلا قُلْتَ عَارِفَةً ... مِنَ الْكَلامِ وَلَمْ تَتْبَعْ بِهِ طَمَعَا
فَأَدْرَكَتْكَ حُمَيَّا مَعْشَرٍ أَنُفٍ ... فَلَمْ تَكُنْ قَاطِعًا يَا عَوْفُ مُنْقَطَعَا
هَلا جَرَيْتَ مِنَ الأَقْوَامِ إِذْ حَسَدُوا ... فَلا تَقُولُ وَإِنْ عَادَيْتَهُمْ قَذَعَا
لَمَّا رَأَيْتَ حَصَانًا غَيْرَ مُقْرِفَةٍ ... أَمِينَةَ الْجَيْبِ لَمْ تَعْلَمْ لَهَا خَضَعَا
فِيمَنْ رَمَاهَا وَكُنْتُمْ مَعْشَرًا أُنُفًا ... فِي سَيِّئِ الْقَوْلِ مِنْ لَفْظِ الْخَنَا سُرُعَا
فَأَنْزَلَ اللَّهُ عُذْرًا فِي بَرَاءَتِهَا ... وَبَيْنَ عَوْفٍ وَبَيْنَ اللَّهِ مَا صَنَعَا
فَإِنْ أَعِشْ أَجْزِ عَوْفًا فِي مَقَالَتِهِ ... سُوءَ الْجَزَاءِ بِمَا أَلْفَيْتُهُ تَبِعَا
وَقَالَتْ أُمُّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ﵂، فِي الَّذِينَ رَمَوْا عَائِشَةَ، مِنَ الشَّعْرِ:
شَهِدَ الأَوْسُ كَهْلُهَا وَفَتَاهَا ... وَالْخُمَاسي مِنْ نَسْلِهَا وَالْفَطِيمُ
وَنِسَاءُ الْخَزْرَجَيْنِ يَشْهَدْنَ ... بِحَقٍّ وَذَلِكُمْ مَعْلُومُ
أَنَّ ابْنَةَ الصِّدِّيقِ كَانَتْ حَصَانًا ... عَفَّةَ الْجَيْبِ دِينُهَا مُسْتَقِيمُ
تَتَّقِي اللَّهَ فِي الْمَغِيبِ عَلَيْهَا ... نِعْمَةُ اللَّهِ سِتْرُهَا مَا تَرِيمُ
خَيْرُ هَذِي النِّسَاءِ حَالا وَنَفْسًا ... وَأَبًا لِلْعُلَى نَمَّاهَا كَرِيمُ
لِلْمَوَالِي إِذْ رَمَوْهَا بِإِفْكٍ ... أَخَذَتْهُمْ مَقَامِعٌ وَجَحِيمُ
لَيْتَ مَنْ كَانَ قَدْ قَفَاهَا بِسُوءٍ ... فِي حُطَامٍ حَتَّى يَتُوبَ اللَّئِيمُ
وَعَوَانٌ مِنَ الْحُرُوبِ تَلَظَّى ... يَتَبَنَّى فَوْقَهَا عِقَابٌ كَرِيمُ
لَيْتَ سَعْدًا وَمَنْ رَمَاهَا بِسُوءٍ ... فِي كَظَاظٍ حَتَّى يَتُوبَ الظَّلُومُ
وَقَالَ حَسَّانُ وَهُوَ يُبَرِّئُ عَائِشَةَ مِمَّا قِيلَ فِيهَا، وَيَعتذرُ إِلَيْهَا:
⦗٣٧⦘ حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرَيْبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ
حَلِيلَةُ خَيْرِ النَّاسِ دِينًا وَمَنْصِبًا ... نَبِيِّ الْهُدَى وَالْمكرمَاتِ الْفَوَاصِلِ
عَقِيلَةُ حَيٍّ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ ... كِرَامِ الْمَسَاعِي مَجْدُهُمْ غَيْرُ نَاصِلِ
مُهَذَّبَةٌ قَدْ طَيَّبَ اللَّهُ خَيْمَهَا ... وَطَهَّرَهَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَبَاطِلِ
فَإِنْ كَانَ مَا قَدْ جَاءَ عَنِّي قُلْتُهُ ... فَلا رَفَعَتْ سَوْطِي إِلَيَّ أَنَامِلِي
وَإِنَّ الَّذِي قَدْ قِيلَ لَيْسَ بِلائِطٍ ... بِكِ الدَّهْرَ بَلْ قَوْلِ امْرِئٍ بِي مَاحِلِ
وَكَيْفَ وَوِدِّي مَا حَيِّيتُ وَنُصْرَتِي ... لآلِ رَسُولِ اللَّهِ زَيْنُ الْمَحَافِلِ
لَهُ رُتَبٌ عَالٍ عَلَى النَّاسِ فَضْلُهَا ... تقَاصَرُ عَنْهَا سَوْرَةُ الْمُتَطَاوِلِ
قَالَ أَبُو أُوَيْسٍ: وَحَدَّثَنِي أَبِي، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، أَمَرَ الَّذِينَ رَمُوا عَائِشَةَ ﵂، فَجُلِدُوا الْحَدَّ جَمِيعًا ثَمَانِينَ.
وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي الشِّعْرِ حِينَ جُلِدُوا:
لَقَدْ ذَاقَ عَبْدُ اللَّهِ مَا كَانَ أَهْلُهُ ... وَحمْنَةُ إِذْ قَالُوا هَجِيرًا وَمِسْطَحُ
تَعَاطُوا بِرَجْمِ الْقَوْلِ زَوْجَ نَبِيِّهِمْ ... وَسَخْطَةُ ذِي الْعَرْشِ الْكِريمِ فَأُتْرِحُوا
فَآذُوا رَسُولَ اللَّهِ فِيهَا وَعَمَّمُوا ... مَخَازَى سُوءٍ جُلِّلُوهَا وَفُضِّحُوا
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ فِي الْحَائِطِ الَّذِي أَعْطَاهُ رَسُولَ اللَّه ﷺ حَسَّانَ: هُوَ بِئْرُحَاءٍ الَّذِي كَانَ لأَبِي طَلْحَةَ، فَتَصَدَّقَ بِهِ إلى رَسُول اللَّهِ ﷺ، فَهُوَ ⦗٣٨⦘ قَصْرُ بَنِي حُدَيْلَةَ الْيَوْمَ بِالْمَدِينَةِ.
1 / 31