ووالله أن العبد ما سطر هذا الجواب، إلا وهو من الخجالة قد توارى بالحجاب، لاشتماله على هذه الالفاظ السقيمة، وقبائح المذكور وأفعاله الذميمة. ولكن صح كما صح في علمكم الكريم العبد يناجي ربه، وشاع ان الكلفة ترتفع إذا صحت المحبة. على أنه لا يغرب عن شريف علمكم أن بسط الكلام يحسن إذا كان الاصغاء مطلوبًا، والخطاب محبوبًا ومرغوبًا، وما تلك قضية منكورة، بل قصة معروفة مشهورة، بعد تكرير الأدعية على الدوام، والسلام إلى قيام الساعة وساعة القيام.
فلما وصلت إلى جنابه الشريف تلقاها بحسن القبول، وأرسل جوابًا عنها هذه المشرفة التي تكاد من رقة ألفاظها تسحر العقول، صورتها:
يا نسمة البان بل يا نفحة الريح ... أن رحت يومًا إلى من عندهم روحي
خذي لهم من ثنائي عنبرًا عبقًا ... وأوقديه بنار من تباريحي
شيد الله تعالى معالم الحق التي دثرت، ورفع سمك سماء الدين التي انفطرت، واتاح الذكر الجميل الأعذب، وأفاح الثناء العاطر الأطيب، ببقاء من طنَّ في مسمع العاقل حديث فضله المحقق، واستمسك الناس منه بحبلِ استقامةٍ طال ما رثَّ في ذلك الإقليم وتمزق، وأقبل على الدين اقبال محب صادق، وقال عن الله تعالى وعن رسوله بأعذب لسان ناطق، وقال في وارف الثقة بالله واليه بالصدق انتمى، وقلا اهل الباطل ولكن بجمرٍ إلى وجوههم به رمى، الحبيب الذي أجله القلب فأحله خلال الشراسيف والضلوع، بل سواء السويداء والشغاف وهاتيك الربوع، لا زال الله تعالى يقذف به على الباطل فيدمغه، ويصدع فود فؤاد الشيطان ويزل قدمه ويفدغه ويؤيد به الشريعة على أنها المنهل الفرات لكل وارد، ويروض منازه منازلها المريعة على انها رياض المعارف والعوارف والفوائد، في نعمة ترف بنسائم العناية نضارةً، ونعيم يتقاطر غضارة، آمين. يحيط علمكم الكريم، بعد أشرف تحية وأعطر تسليم، ان الفقير ورد عليه مكتوب ولكن بقلم هو انبوبة بالفضائل راعفة، ولكن مثمر بكل عارفة، وطائر ولكن بأجنحة الانامل إلى فضاء بلاغةٍ لم يزل لديكم منفسحًا، صادح ولكن أعرب فأغرب، فما الورقاء هاتفه بالضحى في طرس هو بياض نهار الاعياد، ومداد هو سواد ليل الإسراء، وكم وجنة ودت نقطةٌ من ذلك السواد، وإنشاء هو سحر العقول ولكن الحلال، وعذوبة ألفاظ يودها الخصرُ الزلال، ومعان ما ذلت لمعان، بل لمعان نشأت من لمعان فكر صقيل، ومبان تذكرنا ببناء الخليل لبيت الجليل. ثم ما اشرتم إليه من تلك القضية القصية، فلا والله لولا كتابكم الكريم ما أنا بالذي عالم لا خفية منها ولا جلية، ولا ارضى إلا بما يرضي الله تعالى ورسوله ﵊، وأنتم في فسيح العذر بل في اعلى محل طبقات الشكر على خلاص الفقير من عهدة الآثام. ثم أن سألتم عن مولانا شيخ مشايخ الإسلام، نعمة الله تعالى التي أرسلها الغيداقة على الخاص والعام، فحال ثابتة المجد، منتقلة في معارج السعد، فما كان حال كاملة سواها إلا فضله، ومبتدا خبره ثناء أملاك السماء واقطاب الأرض على من افاض الله تعالى عليه فضله. بلغ الله تعالى بدولته المبتغي، والجملة خبرية، وأقام باحكامه الصغى وأطرد القياس في القضية، عالمٌ ولكنه عالم كمالاتٍ باهرة، ومرتق رتبةً سماء سموه يخضع لها ابناء الدنيا ويدعو بمزيد تعاليها ابناء الآخرة. فعين الله تعالى على زمان أحياه الله تعالى بعد زمانه وبلا، وعلامة ان شئل معروفًا فالسيل فوق الربى، أفعم فعم، فجوابه نعم، وحاشاه ان يجيب بلا، وما رقم الفقير هذه الصبابة غلا ليزيدكم علمًا بما للقلب به من صبابة. وانتم في أمان الله تعالى وحفظه والسلام على الدوام.
1 / 12