Endülüs'te Arap Medeniyeti: Eşsiz Hayali Bir Biçimde Tarihi Mektuplar
حضارة العرب في الأندلس: رسائل تاريخية في قالب خيالي بديع
Türler
111
ومن ثم ترى هذه الدول العظمى تتسامى في كل ما يكسبها حسن الأثر، وجميل الذكر، ويملأ مسامع الدهر حمدا وثناء، وينبض له قلب الدنيا فخرا وعلاء، فتراها لذلك آخذة بيد العلم والعلماء، مالئة بأعطياتها أيدي الشعر والشعراء، حتى العلوم الفلسفية بجميع ضروبها؛ من إلهية وطبيعية ورياضية وطبية وفلكية، تعضدها، وتغري القائمين عليها بالاستزادة منها، والتقصي في البحث عن غوامضها، وتظهر الرغبة في الحصول على مآخذها من ملوك الروم، الذين حشدت في خزائن كتبهم تواليف فلاسفة اليونان الأقدمين.
ولقد أقلعت بنا السفينة باسم الله مجراها من ميناء مسيني، وبكرت مع البازي عليه سواد، في فجر يوم الجمعة سلخ ربيع الأول، وذلك لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر جونيو الرومي سنة ست وخمسين وتسعمائة من مولد السيد المسيح عليه الصلاة والسلام، وكان البحر هادئا، والنسيم فاترا عليلا، وكانت قبة فضل ومن معها بمرأى منا ومسمع، وكان معنا أديب من أدباء صقلية لم نكن ندري أين وجهته، ولكنه نزل بعد ذلك في جزيرة ميورقة، وكان قد ند منه عقيب إقلاعنا من مسيني أمر أفضى إلى حديث لا علينا إذا نحن أوردناه في هذه الرسالة تطرية للقول؛ وذلك أنا بعد أن صلينا الصبح حاضرة، وصلى معنا هذا الأديب الصقلي، رأيناه وقد انتحى ناحية، وأخذ يصطبح ويلح على ابنة العنب يشربها صرفا لا يقتلها بالماء، فأنكرت عليه ذلك إنكارا شديدا وقلت له: ما تصنع بالخمر وإن أولها لمر وإن آخرها لسكر؟ فقال: لا أقول لك إلا ما قال الأخطل لعبد الملك بن مروان إذ قال له عبد الملك مثل قولك هذا، فقال له الأخطل: ولكن بين هاتين لمنزلة ما ملك أمير المؤمنين فيها إلا كعلقة ماء من الفرات بالإصبع.
ثم أنشد الأخطل:
إذا ما نديمي علني ثم علني
ثلاث زجاجات لهن هدير
خرجت أجر الذيل تيها كأنني
عليك أمير المؤمنين أمير
وبعد، فلله ذلك الطائر الفردوسي البديع الذي كأنه روح هبط على هذه الغبراء من المحل الأرفع، ومعه تلك الهدية التي لا هدية مثلها، تلك البذور الثلاث
112
Bilinmeyen sayfa