بَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُ: قَاتَلَهُ اللهُ! إِنَّه وَاللهِ لَقَدْ أَشَارَ عَلَيْهِمْ بِالرَّأْيِ.
٩٣ - وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى: حَدَّثَنَا القَحْذَمِيُّ، قَالَ: كَانَ الْفَرَزْدَقُ أَرَادَ أمْرَأَةً شَرِيفَةً عَلَى نَفْسِهَا، فَامْتَنَعَتْ عَلَيْهِ، فَتَهَدَّدَهَا بِالْهِجَاءِ وَالْفَضِيحَةِ، فَاسْتَغَاثَتْ بِالنَّوّارِ امْرَأتِهِ، وَقَصَّتْ عَلَيْهَا القِصَّةَ، فَقَالَتْ لَهَا: وَاعِدِيهِ لَيْلَةً، ثُمَّ أَعْلِمِينِي؛ فَفَعَلَتْ، وَجَاءَتِ النَّوَّارُ، فَدَخَلَتِ الْحَجَلَةَ مَعَ الْمَرأَةِ، فَلَمَّا دَخَلَ الْفَرَزْدَقُ الْبَيْتَ، أَمَرَتِ الْجَارِيَةَ، فَأَطْفَأَتِ السِّرَاجَ، وَبَادَرَتْ إِلى الْحَجَلَةِ وَاتَّبَعَهَا الفَرَزْدَقُ، فَصَارَ إِلَى الحَجَلَةِ وَقَدِ انْسَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَلْفَ الْحَجَلَةِ وَبَقِيَتِ النَّوَّارُ فِيهَا، فَوَقَعَ بِالنَّوّارِ وَهُو لَا يَشُكُّ أَنَّهَا صَاحِبَتُهُ، فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَتْ لَهُ: يَا عَدُوَّ اللهِ! يَا فَاسِقُ! فَعَرَفَ نِغْمَتَهَا، وَأَنَّهُ خُدِعَ؛ فَقَالَ: وَأَنْتِ هِيَ؟ ! يَا سُبْحَانَ اللَّهِ! مَا أَطْيَبَكِ حَرَامًا، وَأَرْدَأَكِ حَلالًا ["الأغاني" ٢١/ ٣٦٠].
٩٤ - وَدَخَلَ جَرِيرٌ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمَّا أَفْضَتْ إِلَيْهِ الْخِلافَةُ، فَقَالَ لَهُ: أَسْأَلُكَ مَا عَوَّدَنِيهِ الْخُلَفَاءُ: أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَمَا يَتْبَعُهَا مِنْ كُسْوَةٍ وَحُمْلانٍ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: كُلُّ امْرِئٍ يَلْقَى فِعْلَهُ، فَأَمَّا أَنَا فَمَا أَرَى لَكَ فِي مَالِ اللهِ مِنْ حَقٍّ، وَلَكِنِ انْتَظِرْ حَتَّى يَخْرُجَ عَطَائِي، فَأَنْظُرُ مَا يَكْفِينِي وَعِيَالِي سَنَةً، فَأَدَّخِرُهُ لَهُمْ، ثُمَّ إنْ فَضَلَ فَضْلٌ صَرَفْنَاهُ إِلَيْكَ. فَقَالَ لَهُ جَرِيرُ: بَلْ يُوَفِّرُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَيُحْمَدُ وَأَخْرُجُ رَاضِيًا؛ فَلَمَّا خَرَجَ جَرِيرُ عَلى أَصْحَابِهِ وَفِيهِمُ الْفَرَزْدَقُ، قَالُوا لَهُ: مَا صَنَعَ بِكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِ رَجُلٍ يُقَرِّبُ الْفُقَرَاءَ، وَيُبَاعِدُ الشُّعَرَاءَ؛ وَأَنَا مَعَ ذَلِكَ عَنْهُ رَاضٍ ["الأغاني" ٨/ ٤٧].
1 / 47