ومن الفتوة معرفة أقدار الرجال. سمعت جدي يقول: كان أبو عثمان يقول من جل مقداره في نفسه، جلت أقدار الناس عنده. ومن صغرت قدره في نفسه، صغر أقدار الناس عنده.
ومن الفتوة أن لا يخون الأصحاب والإخوان فيما يفتح لهم. سمعت منصور ابن عبد الله يقول: سمعت ربيع الكامخي بالرملة يقول: كنت أجالس الفقراء، ففتح علي بدريهمات، فخرجت بها إليهم، فخاطبتني نفسي أن آخذ منها درهمًا لنفسي، فأخذت درهمًا، فخرجت بها إليهم، فلما كان بعد أيام، هاج في قلبي شهوة، فخرجت إلى السوق، فدفعتها إلى البقال، فإذا الدرهم قد صار نحاسًا، فردها علي، فترددت إلى السوق مرارًا، كل ذلك يرد علي، فرجعت إلى الأصحاب، وقلت: يا أصحابنا، اجعلوني في حل، فقد غششتكم بهذا الدرهم، فاستلبوا الدرهم من يدي، وخرجوا به إلى السوق، واشتروا به خبزًا وعنبًا، فجاءوا به، فجلسنا وأكلنا.
ومن الفتوة إسقاط العجب عن النفس جهده. كذلك قال إبراهيم الخواص ﵀: العجب يمنع من معرفة قدر النفس، والعجلة تمنع من إصابة الحق، والرفق والحزم يمنعان من الندامة، ولا قوة إلا بالله.
1 / 57