يقول: سمعت الجنيد ﵏ يقول: من شهد من نفسه ذلة واحدة، ثم اعتمد على شيء من حسناته، كان مغرورًا، ومن لم يقم له بصدق الوفاء في أوامره، كان بعيدًا من الحقائق.
ومن الفتوة أن لا يشغل العبد عن مولاه شاغلٌ، وأن يتحمل في طلبه موارد البلاء. سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول: سمعت جعفر بن محمد يقول: سمعت الجنيد يقول: بكرت يومًا إلى سري السقطي ﵏، فقال لي: يا أبا القاسم، كانت له البارحة قليل مشاهدة، فخوطبت في سري، وقيل لي: يا سري، خلقت الخلق وهم ناظرون إلي، ومقبلون علي، فعرضت عليهم الدنيا، فمال إليها تسعة أعشار الخلق، وبقي معي العشر، فعرضت عليهم الجنة، فمال إليها تسعة أعشارهم، وبقي معي عشر العشر، فصببت عليهم البلاء، فتضعفوا واستغاثوا وذهب منهم تسعة أعشارهم، وبقي معي عشر عشر العشر، فقلت لهم: ما أنتم إلى الدنيا نظرتم، ولا الجنة أردتم، ولا من البلاء فررتم. فقالوا: وإنك لتعلم ما نريد. فقلت: إني أصب عليكم من البلاء ما لا طاقة للجبال الرواسي به. فقالوا: قد رضينا بعد أن تكون الفاعل بنا ذلك.
ومن الفتوة أن يراعي العبد أحواله وأنفاسه، ولا يضيع منها شيئًا لذلك. قال سهل بن عبد الله التستري ﵀: وقتك أعز الأشياء، فاشغله بأعز الأشياء. سمعت أبا سعيد الرازي يقول: سمعت أبا الحسن المحلبي البغدادي قال: سمعت الجنيد يقول: جماع الخير كله في ثلاثة أشياء: إن لم تمض نهارك
1 / 37