ويكون خارجًا من سلطان الهوى سلس القياد، صعب المرام، قد اعتزم على خمس: على الإياس مما في أيدي الناس، وقد ألقى مؤونته على الناس لا يتعب يده ولا بطنه ولا فرجه ولا يعتقد رياءً، ويقتدى من فوقه، وقد زهد في خمس: في كل فانٍ، وزهد في الناس، وزهد في الشهوات، وزهد في الرئاسة، و[زهد] في الثناء. وقد رغب في خمس: رغب في نعيم الجنان؛ فقدرت الدنيا عنده، ورغب في الصدق؛ فلزم الخوف قلبه، ورغب في مجالسة الأولياء والأصفياء؛ فتبرم من مجالسة المخالفين، ورغب في كل ما يرضي الله، ورغب فيما زهد الجاهل فيه.
ومن الفتوة احتمال الأذى في الله بعد المعرفة به. سمعت أبا الفرج الورثاني يقول: أخبرني منصور بن أحمد الهروي، سمعت أبا الحسين محمد بن علي الخوارزمي، سمعت ذا النون ﵃ يقول: مررت بأرض مصر، فرأيت صبيانًا يرمون رجلًا بالحجارة، فقلت لهم: ما تريدون منه؟ قالوا: مجنون، يزعم أنه يرى الله. فقلت: أفرجوا لي عنه. فأفرجوا، فدخلت، فإذا أنا بشاب مسند ظهره إلى الحائط، فقلت له: ما تقول –رحمك الله- فيما يقول هؤلاء؟ قال: وما يقولون؟ قلت: يزعمون أنك تزعم أنك ترى الله تعالى. قال: فسكت ساعة ثم رفع رأسه، ودموعه تجري على خديه، وقال: والله ما فقدته منذ عرفته. ثم أنشأ يقول:
1 / 33