أثر عن عبد الحق الصقلي والدمشقي وغيرهما من القدامى الصائغين للفروق، وليقرأ ما كتب الباحثون الممتازون عن مناهج المؤلفين ومراحل تطور التأليف عندهم، إن عطاء علمائنا مستمر عبر العصور وأن واجب الدارسين المعاصرين فهم خصائص تراكم المعرفة الشرعية وإدراك مناهجهم في إثرائها ووحدة غايتهم في خدمتها وطرقهم في النقد والتحليل والتعقب، وذلك أجدى من المسارعة إلى الاتهام ودعوى الانتحال أو محاولة الهدم ورفع راية الباطل والضلال.
ولم يكتف السيد محمود الغرياني بذلك، فأبدى في مقدمة تحقيقه شكا في شخصية أبي الفضل مسلم الدمشقي، محاولًا التطرق بذلك إلى نفي نسبة فروق فقهية له، مستخدمًا لذلك من الأدلة ما ينبئ عن قلة معرفة بمناهج علمائنا في التأليف المتصل بالفقه وقواعده وفروقه، وعن انتفاء إدراك الضوابط المعهودة لإثبات النسبة، تلك الضوابط التي أفاض في بيانها مؤلفو منهج التحقيق، وسار عليها من أجادوا التحقيق وبرعوا في مجاله، وتنكبها آخرون فزلت بهم القدم، ونسبوا كتبًا إلى غير مؤلفيها، وعرفت ساحة التحقيق أخطاء فادحة تعقبها بعض النقاد، وتداركها المنصفون من أهل الذكر والمعرفة.
وقد حفزنا إصدار الفروق المنسوبة للقاضي عبد الوهاب إلى الإسهام في بيان الحقيقة في هذه المقدمة لطبعة فروق تلميذه الدمشقي للمرة الثانية، معتبرين أنه إسهام علمي نخدم به جانبًا من ثقافتنا الفقهية التي تمثل عنصرًا مهمًا من عناصر حضارتنا الإسلامية الناشئة عن الدعوة الإسلامية دعوة الخير والهدى.
1 / 18