يقول الحق وهو يهدي السبيل، لندع ما اختلف فيه البشر إلى ما شرعه خالق البشر، وأنزله علينا، ولم يكل حفظه إلينا كما وكل ذلك إلى أهل الكتب من قبلنا، فبدلوا فيها وغيَّروا، بل تولى هو حفظه ﷻ، وتقدست أسماؤه. فقال: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾.
فالمقياس هو شرع الله، هو الكتاب الذي لم يستطع أعدى عدو لنا، وأعتى ظالم مخاكم أن يثبت (بل لم يجرؤ أن يدعي مجرد دعوى) أنه قد بدَّل أو غيَّر، أو أنه قد صحَّف أو حرَّف، أو أنَّ القرآن الذي هو في المصاحف بين أيدينا غير الذي أنزله الله. الذي بلَّغه جبريل سيد الملائكة محمدًا سيد المرسلين، وإن كان بعض الفرق التي تنتسب زورًا إلى الإسلام تدَّعي كذبًا وجهلًا، مالم يدعه هؤلاء الأعداء من أن المصاحف التي نقرأ فيها كلها قرآن ولكن ليست كل القرآن، وهي دعوى لا أدري أيُّهما أظهر: سخافتها أم وقاحتها.
ولكن الشيطان حين عجز عن تحريف تنزيله، دخل علينا من باب تأويله، حتى صار من الناس من يصرف الكلام عن معناه ويوجهه إلى غير الوجه الذي أراده الله، وحتى أنه كان عندي كتاب اسمه (حجج القرآن) لرجل اسمه الرازي (نسبة إلى مدينة الري قرب طهران الآن) جمع فيه ما احتجت به الطوائف كلها المسلمة والمرتدة عن الإسلام التي تُدعَى في الاصطلاح (الفرق الإسلامية) باعتبار ما كانت في الأصل عليه، هذا الكتاب فيه العجب العجاب، من صرف الآيات عن مدلولها في لسان العرب الذي نزل به القرآن، وعمَّا صحَّ في تفسيرها عن رسول الله الذي هو المبينِّ للقرآن.
ودخل علينا من باب صرفنا عن تدبر آياته، وتفهِّم معانيه، والعمل بأوامره ونواهيه إلى تصريف الصوت في تلاوته بالأنغام، وطرب الناس لسماع الصوت بدل الخشوع عند فهم المعاني وكان معنى كلمة (القرَّاء) حين نقرؤها في حروب الردة مثلًا وذكر من استشهد منهم في معركة -اليمامة- كان معناها الذي يقرأ القرآن متدبرًا واعيًا، عاملًا بما قرأ معلمًا إياه من لا يعلم. فصار معناها البصير بالألحان والمقامات، الخبير بالمحطات والتصرف بالنغمات، وصار
1 / 11