Boş Zamanlarda
في أوقات الفراغ: مجموعة رسائل أدبية تاريخية أخلاقية فلسفية
Türler
وقد يسرك أن تشعر حين مراجعاتك في دائرة معارف القرن العشرين أن كتاب اللغة العربية - حتى هذا العصر الأخير - قد عرضوا لأكثر المسائل وأعوصها، فلا يكاد يخلو بحث من رأي لهم فيها، فالمغناطيس كتب فيه الرشيدي في مادته الطبية، وعرض فيما عرض للآراء الحادثة عن المغناطيسية من أيام المسمرية «المسمرزم» وقبلها. والبناء - بناء البيوت - كتب عنه الدكتور محمد أفندي كمال. وتاريخ مصر القديمة رجع فيه المؤلف إلى كتاب سليم أفندي سليمان عن «مختصر تاريخ الأمة القبطية». هذا سوى الأقدمين من المؤلفين أمثال ابن خلدون وابن خلكان وابن مسكويه وعبد اللطيف البغدادي، وغيرهم ممن كانوا عمدة المؤلف في مراجعاته الفلسفية والروحية والأدبية والتاريخية.
إلى جانب عناية السيد فريد وجدي بهذه الأبحاث التي «يسبح منها العالم في نظريات العلوم»، ترى عناية لا تقل عنها لما يحتاج إليه الرجل العادي «من مسكنات آلامه، وصحة أهله وعياله، ووجوه السير في أعماله، وأمور دينه، وكل ما يحتاج إليه في معاملاته». فكما وقفت منه على جنازة الميت والصلاة عليه ودفنه، لم يفت المؤلف أن يضع تحت نظرك مواد القانون المصري عن البيع والإيجار وسائر المعاملات، كما لم يفته أن يذكر الفوائد المنزلية والصحية والطبية لكل نبات، ولكل مادة حين الكلام عنها. ولم ينس أن يذكر الدواء الذي يعالج به كل مرض. ولم يترك الكلام المفصل في أمور الدين. ولم يهمل ذكر شيء وقع له واعتقد أن هذا الرجل العادي بحاجة إلى معرفته. •••
والآن فأي حظ من التوفيق أصاب السيد فريد وجدي في سبيل غايته؟ وهل أنتجت مجهوداته النتيجة التي ترتجى من دائرة معارف توضع في القرن العشرين؟
يذكر السيد فريد وجدي في عنوان دائرة معارف أنها «قاموس عام مطول للغة العربية والعلوم النقلية والعقلية والكونية بجميع أصولها وفروعها»، ويشير في مقدمته إلى أنها من «كنز العلوم واللغة» كقاموس لاروس الكبير من قاموسه الصغير. ويكفي هذا التعريف لتشعر بأن القيام بتحقيق ما اشتمل عليه يستحيل تمام الاستحالة على شخص واحد. فإن وضع قاموس عام مطول للغة العربية وحدها وتحرى سد هذا القاموس لحاجات العصر الحاضر اللغوية يستغرق من الوقت والمجهود ما استغرقه عمل الأستاذ فريد وجدي في دائرة معارفه. وكل علم نقلي أو عقلي أو كوني بجميع أصوله وفروعه يستغرق من المجهود أكثر مما استغرقته دائرة المعارف هذه. وهذا هو السبب في أن علماء ذوي اطلاع ونشاط وذكاء قد قضوا حياتهم في البحث والتنقيب في تحقيق أصول علم من العلوم ورد كل الفروع إلى هذه الأصول، ثم تركوا الحياة ولم تنته كل مهمتهم؛ لذلك يجب - مهما تحمد للسيد فريد وجدي مجهوده - أن تتوقع فيه هذا النقص العظيم، ويجب ألا تطلب إليه ما تطلبه إلى دائرة معارف وضعت على الطريقة العلمية الصحيحة، وأريد منها أن تحقق الغاية التي وضعت لتحقيقها.
دائرة المعارف التي توضع على الطريقة العلمية الصحيحة لا يقوم بوضعها رجل واحد؛ بل يشترك جماعة من بادئ الرأي في وضع الخطة التي تنهج فيها، فإذا تم وضع هذه الخطة استعانوا بكل عالم وبكل أخصائي في العلم أو الفن الذي انقطع له، وطلبوا إليه أن يوافيهم برأيه على الخطة التي وضعوا. كذلك فعل دالمبير وأصحابه في الانسيكلوبيديا الفرنسوية في القرن الثامن عشر، وكذلك فعل لاروس في قاموسه الكبير، وكذلك يفعل العلماء حتى في المطولات المقصورة على علم واحد. فأنت إذا رجعت إلى دالوز في الحقوق وإلى أشباه دالوز في العلوم الأخرى وجدته معتمدا في مادته على عدد كبير من فحول العلماء. وحكمة ذلك أن القصد من دائرة المعارف أن تجمع من كل علم ومن كل فن خلاصته وآخر الآراء فيه والمعلومات عنه، حتى إذا رجع إليها من ليس له بهذا العلم أو الفن اتصال وثيق وقف منها على كل ما يريد أن يقف عليه، ثم كان مطمئنا إلى أنه يأخذ منها أوثق المعلومات والآراء وأدقها؛ حتى لو أنه كانت له بهذه الآراء حاجة علمية لم يخش أن يضله فسادها أو قصرها.
ووضع دائرة معارف على هذا الوجه أمر لا يتيسر لشخص واحد؛ ولذلك لم يتيسر للأستاذ فريد وجدي برغم المجهود الكبير الذي بذله والذي يستحق من أجله الحمد والثناء. فلو أنه أتيح له أن يضع لنفسه خطة ونهجا في وضع كتابه، ولو أن خطته ونهجه كانا على ما يريد العلم الحديث لهما، ثم لو أنه أنفق أضعاف ما أنفق من وقت وعمل، ما تيسر له مع ذلك أن يرضي أطماع العلم في دائرة معارفه، ولاقتصر عمله أكثر الأمر وفي أكثر المواد على جمع معلومات لا يستطيع الحكم على مبلغها من الدقة، ولا يستطيع أن يرضي بها عالما ولا أن يفيد بها غير عالم.
هذا لو أنه وضع لدائرة معارفه خطة ونهجا. ودوائر المعارف جميعا تقوم في هذا العصر الأخير على أساس من النهج العلمي الذي اطمأن إليه الكتاب والعلماء والفلاسفة، والذي يقتضي ملاحظة الوقائع ومقارنتها وترتيبها واستنباط القوانين من متشابهها ومتناقضها جميعا. ونحن نرانا في «دائرة معارف القرن العشرين» بعيدين عن هذا النهج العلمي كل البعد. ولعلك تذهب إلى الظن بأن مرجع هذا البعد أن واضع هذه الدائرة روحاني لا يعترف بالعلم الحديث ولا بآثاره. ولسنا نجيبك بأن العلماء الذين يعنون بالروحانيات في هذه الفترة الأخيرة يريدون إقامتها على أساس من هذا النهج العلمي؛ وإنهم لذلك يلاحظون المظاهر الروحية ويسجلونها ويقارنون بينها ويجمعون بين ما تآلف منها، ويقصدون من ذلك إلى وضع قوانين ثابتة لما يريدون تسميته العلم الروحي. وإنما نقول: إن السيد فريد وجدي لم يضع لدائرته نهجا على أية صورة من الصور. فأنت إذا أردت الرجوع إليها لا تعرف ما ستلاقي. فقد تجد بحثا لغويا مستفيضا يبدأ به عبارته فيرد الكلمة إلى أصولها ويبين أوجه استعمالها، وقد لا تجد من هذا البحث اللغوي كلمة. وقد تجد بحثا تاريخيا، وقد لا تجد. وقد ترى نظريات فلسفية عن كلمة تافهة علاقتها بالفلسفة، وقد لا تجد ذكر الاسم من أسماء الفلاسفة على جلال قدره وعظيم خطره.
أشرنا إلى أن مكة وبغداد ورد ذكرهما في الدائرة، وإلى أن مكة قد أفرد لها ما يزيد على ثلاثين صفحة، وإلى أن بغداد لم تحظ بصفحة كاملة. هذا وبغداد كانت عاصمة الإسلام زمنا طويلا. فيها ازدهرت مدنية العرب، ومنها امتد ملكهم وانتشر في العالم سلطانهم العقلي والعلمي. وإلى أمراء المؤمنين الذين اتخذوها عاصمة ملكهم، وإلى العلماء والفقهاء والشعراء والكتاب والحاذقين من الصناع والفنانين يرجع حظ عظيم من الحضارة، التي كانت - ولا تزال ولن تزال - مجد المسلمين.
هذه الإطالة في الكلام عن مكة والتقصير في التكلم عن بغداد وعدم الإشارة عند ذكر بغداد إلى ما يمكنك أن تعثر عليه خاصا بها في أجزاء الدائرة الأخرى ليس إلا مثلا من أمثلة كثيرة تجدها في كل مناحي بحث المؤلف. هذا إلى أن المعلومات التي يذكرها فيما يطيل فيها من مباحثه التاريخية لا تدعو لطمأنينة الذي ألم بشيء من العلم. فلئن كان قد أفرد للفظ مصر 226 صفحة، فإن ما ورد في هذا القدر من المعارف يقف في أحيان كثيرة عند المعلومات الأولية التي يتلقاها التلاميذ المبتدئون، كما يورد أحيانا أخرى معلومات تفصيلية لا يحتاج إليها الباحثون عن المعارف العامة في دائرة معارف؛ فما أوردوه عن تاريخ مصر القديم ملخصا من كتاب سليم أفندي سليمان (تاريخ الأمة القبطية) موجز لا جديد فيه من علم أو فكرة. ولا يزيدك علما عما عرفته في المدرسة الابتدائية. وإلى جانب هذا ترى تفاصيل كثيرة مأخوذة عن الإحصاء السنوي العام الذي تصدره الحكومة المصرية والإحصاء الرسمي والدين العمومي، وقد يكون خير ما في هذه الصحف الست والعشرين والمائتين مذكرة عرابي باشا عن الثورة العرابية. لكن إيراد هذه المذكرة عند الكلام على «مصر» إيراد لها في غير موضعها. وقد كان لها مكانها عند الكلام عن «عرابي». ولعل المؤلف يوافقنا على هذا، وبخاصة بعدما أفرد للفظ «بونابرت» فصلا ذكر فيه خطاب أكابر مصر إليه منفردا عما أورده عن نابليون. لكن المؤلف لم يكن يستطيع - وهو يقوم بهذا العمل وحده - أن يحقق الثورة العرابية تحقيقا تاريخيا صحيحا.
وكما كان ما ذكره المؤلف عن تاريخ مصر القديم موجزا ضعيفا، كان ذكره للآثار المصرية ولآلهة مصر القديمة أشد إيجازا وضعفا. فقد ذكر عبارة موجزة عن أبيس. أما إيزيس وأوزوريس وسائر الآلهة فلم نوفق إلى الوقوف على أثرهم أو خبرهم. وأما الآثار المصرية فإن ما كتب عنها في أي كتاب أوروبي وفي أي دائرة معارف أوروبية أدق وأشبع مما كتبه السيد فريد وجدي عن بعضها.
Bilinmeyen sayfa