Boş Zamanlarda
في أوقات الفراغ: مجموعة رسائل أدبية تاريخية أخلاقية فلسفية
Türler
محمد فريد وجدي
دائرة معارف القرن العشرين
السيد فريد وجدي كاتب قديم معروف، كانت ولا تزال له جريدة الدستور تصدر أحيانا وتمتنع عن الصدور أخرى، وله مؤلفات غير قليلة يدور أكثرها حول الروحانيات. وهو من بين المسلمين الذين يقولون بأن كل علم وكل اختراع وكل فكرة قديمة أو حديثة لها أصلها في الإسلام، وله على ذلك أدلة تراها في كتبه وأبحاثه الكثيرة التي تدل بكثرتها واتساعها على أنه لا يضيع وقته في غير البحث والعمل لتأييد رأيه وفكرته.
وهو كذلك من بين المولعين بجمع معلومات بني الإنسان من يوم كان لبني الإنسان معلومات إلى وقتنا هذا. وشغفه بذلك وإصراره عليه قديم، وقد تمكن من جمع هذه المعلومات وترتيبها وتبويبها حتى إذا اطمأن لكمالها أصدرها للناس دائرة معارف ليكون للقارئ منها (قاموس عام مطول للغة العربية والعلوم النقلية والعقلية والكونية، بجميع أصولها وفروعها، ففيه النحو والصرف والبلاغة والمسائل الدينية، وتاريخ الطرق والمذاهب والتفسير والحديث والأصول والتاريخ العام والخاص وتراجم مشهوري الشرق والغرب والجغرافية الطبيعية والسياسية والكيمياء والفلك والفلسفة والعلوم الاجتماعية والاقتصادية والروحية والطب والعلاج، وقانون الصحة والفوائد المنزلية، وخواص العقاقير والأقرباذين والإحصاءات وسائر ما يهم الإنسان في جميع المطالب).
هذه العلوم والفنون والمذاهب والأبحاث وسائر ما يهم الإنسان في جميع المطالب كانت من زمن مضى طي كتاب وضعه السيد فريد وجدي وأسماه (كنز العلوم واللغة)، وقد لقي هذا الكتاب - فيما يقول المؤلف في مقدمة دائرة معارفه - (غاية ما يتاح لمثله من الإقبال والتقدير، سواء من جانب الأمة أو من جانب الهيئات الرسمية ... فكانت هذه الشهادة المزدوجة أحسن مكافأة للمؤلف بعد جهاده الطويل وسهره المتواصل).
لكن (كنز العلوم واللغة) إنما حصر (معلومات البشر كلها في دائرة واحدة يلم بها المطالع إلماما إجماليا فيستفيد منها لعقله وروحه وجسده على قدر ما تسمح له الحال). وقد ذكر المؤلف حين آنس من وقته فراغا (حاجة الأمة إلى دائرة معارف أغزر مادة، وأجمع فوائد، فإن الذي كان يكفيه بالأمس أن يقرأ مادة من المواد العلمية خلاصة موجزة أصبح لا يقنعه إلا بحث مستفيض». ورأى أنه جمع ما فاته جمعه في «كنز العلوم واللغة»، فأجمع على وضع دائرة معارف تناسب الحاجة العصرية و(عولنا على أن نتوسع في اللغة توسعا لا يدع حاجة في النفس، وأن نتبسط في القسم العلمي تبسطا يبلغ بالطالب غاية ما يرمي إليه، جاعلين نصب أعيننا أن يكون الكتاب جامعا بين الحاجة العقلية والحاجة المعيشية. فكما يحرص عليه العالم ليسبح منه في نظريات العلوم ، يحرص عليه الرجل العادي ليبحث فيه عن مسكنات آلامه، وصحة أهله وعياله، ووجوه السير في أعماله، وأمور دينه، وكل ما يحتاج إليه في معاملاته). ولقد لقي عمله هذا من تقدير الأمة وإعجابها ما دفعه لإعادة طبع كتابه. وهذه الطبعة الثانية التي حدثك المؤلف عن غايته منها وعما تحتويه وعن كيفية وضعه إياها، وتطورها من كنز العلوم واللغة إلى دائرة المعارف التي نفدت، والتي أعيد طبعها، هي موضع نظرنا اليوم. •••
تقع هذه الطبعة الثانية في عشر مجلدات، كل مجلد منها ثمانمائة صفحة عدا السابع فصحفه 960، والعاشر فصحفه 1056، فمجموع صفحاتها جميعا 8416. وهي مطبوعة بمطبعة دار معارف القرن العشرين على ملازم (ثمانيات) بحرف بنط «20». وكلها من تأليف السيد محمد فريد وجدي، فهو لم يكتف فيها بوضع قواعد البحث ونظامه والإشراف على أبحاث سواه، بل تفرد بها فلم يستعن بأحد، ولم يشرك مع مجهوده مجهود غيره؛ هو الذي بحث ونقب، وهو الذي نظم ورتب. وبحسبك هذا لتعرف مشقة العمل وعظم المجهود. فأنت إذا رجعت إلى التعريف الذي وضعه تحت عنوان الكتاب، ورأيت ما بين دفتي هذه المجلدات من: قاموس عام مطول للغة العربية والعلوم النقلية والعقلية والكونية بجميع أصولها وفروعها ... إلخ، ازددت عرفانا لما اقتضاه هذا المجهود من وقت وصبر ومثابرة.
فلو أن هذه الآلاف من الصحف كانت كلها في فن أو علم واحد لكان ما تقتضيه من مجهود أقل مما تقتضي «هذه العلوم النقلية والعقلية بجميع أصولها وفروعها»؛ ذلك بأن اتحاد اتجاه الذهن، وإمعانه في الغوص على نوع خاص من المعاني يلذه ويشحذه ويزيده دقة في التصور، وفي التفريق بين الألوان البادية التشابه لذي النظر السطحي ولغير المتعمق. فأما هذا الانتقال من علم إلى علم ومن فن إلى فن فعسير كل العسر. يحدث في الذهن وقوفا كلما شاء أن يتحول إلى اتجاه جديد، وليس هذا الشأن مقصورا على التفكير وحده، بل إنك لتشعر به ولو كان عملك مقصورا على مجرد النقل والترجمة؛ فأنت إذا ألفت لغة مؤلف واتجاه فكره تيسرت لك العبارات التي تؤدى بها مقاصده وأغراضه، فإذا انتقلت إلى غيره في نفس العلم أو الفن شعرت بقلمك يقف حتى يسيغ ذهنك اللغة، وطريقة التفكير الجديدة التي انتقلت إليها. ما بالك لو كان الانتقال إلى علم أو فن جديد له أساليبه وله مصطلحاته في اللغة وله قواعده التي تجمع في ألفاظ معدودة أبحاثا مستفيضة! إنك في هذه الحال بحاجة إلى هدنة تستعيد إلى ذاكرتك فيها ما سبق لك الإلمام به من العلم أو الفن الجديد، وأنت كذلك بحاجة إلى عدة لغوية تصلح ثوبا لهذا العلم أو الفن.
بهذا المجهود قصد السيد فريد وجدي إلى (أن يكون الكتاب جامعا بين الحاجة العقلية والحاجة المعيشية. فكما يحرص عليه العالم ليسبح منه في نظريات العلوم، يحرص عليه الرجل العادي ليبحث فيه عن مسكنات آلامه وصحة أهله وعياله ... إلخ). وما نشك في أن عددا كبيرا من القراء يجد في مراجعة هذا الكتاب فائدة له غير قليلة. فأنت إذا رجعت في الكتاب إلى كلمة من الكلمات رأيت تفسيرها اللغوي، ثم انتقلت في أحيان كثيرة إلى بحث طويل عما ينطوي تحت هذه الكلمة من تاريخ أو فلسفة أو كلام. خذ مثلا لفظ «مصر» لقد كتب المؤلف عنها في مجلده التاسع 226 صفحة (من صفحة 15 إلى صفحة 241)، جمع فيها تاريخ مصر القديم والحديث، وتكلم عن تقسيم البلاد، وعن التعليم فيها وعن قوانينها النظامية وعن دينها العام. ثم خذ كلمة «إله» تجد بحثها في الجزء الأول من صفحة 481 إلى 562، وتجد المؤلف يبدأ الكلام عن «الله» بقوله: «العقيدة بوجود الخالق فطرة فطرت عليها النفس الإنسانية، أو هي في مرتبة العلوم الضرورية التي تحصل للإنسان كثمرة من ثمرات مواهبه العقلية.» ثم يجيء بكلمات لكبار الفلاسفة عن الله ثم عن إثبات وجوده. وفي هذه الكلمات والبراهين والمناقشات شيء غير قليل يتمتع به الذهن. وقد ترى في هذه المادة غير البحث في الإله وأدلة وجوده فلتات عن العلم والمادة وغيرهما. ثم ينقلك المؤلف إلى (رأيه الخاص في المسألة) وعقيدته بالله. عقيدة في درجة المحسوس بلا دليل ، وعجبه أن يؤدي الدليل إلى عقيدة، وبحثه في المذهب المادي والمذهب الروحي. ثم راجع كلمة «موت» في الجزء التاسع نراها قد استغرقت منه 26 صفحة بينها خمس صفحات رسالة لابن مسكويه في علاج الخوف من الموت، وفيها ثماني عشرة صفحة عما يجب للمسلم بعد الوفاة من جنازة وصلاة ودفن.
وأنت كلما رجعت في دائرة المعارف هذه إلى شيء من الشؤون الروحية، فأنت واجد دائما بحثا كما أنت واجد رأيا خاصا للمؤلف، ومنته إلى نتيجة معينة. كذلك كلما رجعت إلى شاعر من شعراء العرب أو كاتب من كتابهم المعروفين أو مؤلف من مؤلفيهم في الفقه والكلام فأنت واجد شيئا من تاريخ هذا الشاعر أو الكاتب أو الفقيه، وغير قليل من شعره وما كتب. وللمدن والبلاد العربية حظ عظيم من عناية المؤلف. فالأندلس وبغداد ومكة كانت مواضع بحثه، وإن كان لمكة من هذه العناية القسط الأوفر، وكانت بغداد لم تحظ منه بأكثر من صفحة واحدة.
Bilinmeyen sayfa