Fatıma Zehra ve Fatımiler
فاطمة الزهراء والفاطميون
Türler
ولم يمض غير جيل واحد على قيام الدولة في مصر حتى ابتليت بسياسة «البيروقراطية» أو تحكم الدواوين، فوق ما ابتليت به من سياسة الحريم.
وسبب هذه الآفة ولاية بعض الخلفاء في سن الطفولة وولاية خلفاء آخرين كالأطفال وإن بلغوا مبلغ الرجال؛ فقد ركنوا إلى ترف القصور وقنعوا من الوزراء بجلب المال إليهم كلما طلبوه، فقبض الجباة ورؤساء الدواوين والوزراء على أزمة الثروة وعلى أزمة السياسة، وطمعوا لأنفسهم ولسادتهم فاستباحوا المصادرة وجمع الإتاوات من الرشوة والإرهاب؛ عدا ما يجمعون من الضرائب في غير موعد.
والمصائب لا تأتي فرادى كما يقال؛ فإن المجاعة من الداخل وهجوم الصليبيين وغير الصليبيين من الخارج قد أصاب الدولة بعجز فوق عجز حتى تعذر عليها التماسك والدفاع، فحق عليها القول.
وقد سمي عصر الخليفة «المستنصر» بالعصر الذهبي في الدولة الفاطمية مع ما كان يتخلله من القحط والمجاعة والوباء، وما سمي عصره بهذا الاسم لأنه صنع فيه شيئا خلال ستين سنة قضاها على العرش منذ جلس عليه وهو في السابعة (سنة 427 هجرية) إلى أن مات وهو يدلف
7
إلى السبعين، ولكنه كان عصرا كموسم الحصاد الذي تبرز فيه الثمرات والأشواك، وتنضج فيه السنابل وما يحملها من الهشيم الذي ستذروه الرياح عما قريب أو تطعمه النار ذات الوقود.
فلما مات تعاقب بعده على الخلافة من لا يحسب من البناة ولا من الهادمين، وإنما هو مهدوم تتداعى تحته قواعد الملك، وقد يفارقها وهو قتيل.
وكان بنو أيوب قد أخذوا بزمام السلطان في مصر قبيل انتهاء الدولة الفاطمية، فلما استقر الرأي في أيام صلاح الدين على الدعاء للخليفة العباسي بدلا من الخليفة الفاطمي الملقب بالعاضد، تجاوبت المنابر بالدعاء الجديد، ولم يعلم به الخليفة الذي تحول عنه الدعاء؛ لأنه كان يجود بنفسه في مرض الوفاة، فكانت سنة سبع وستين وخمسمائة للهجرة هي خاتمة الأجلين: أجل الخليفة الذي عمر إحدى وعشرين سنة، وأجل الدولة التي عمرت بين المغرب ومصر مائتي سنة وسبعين.
وقد عزل أمراء الدولة بعد موت عميدها منفردين لينقرضوا بغير عقب، وقال المقريزي عن صلاح الدين والخليفة الأخير: «وأضعف العاضد باستنفاد ما عنده من الأموال، فلم يزل أمره في ازدياد وأمر العاضد في نقصان. ومنع العاضد من التصرف حتى تبين للناس ما يريده من إزالة الدولة. فلم يبق للعاضد سوى إقامة ذكره في الخطبة. هذا وصلاح الدين يوالي الطلب منه كل يوم ليضعفه، فأتى على المال والخيل والرقيق وغير ذلك حتى لم يبق عند العاضد غير فرس واحد فطلبه منه وألجأه إلى إرساله، وأبطل ركوبه من ذلك الوقت وصار لا يخرج من القصر.»
هذه قسوة لم يحسبها التاريخ على صلاح الدين؛ لأنها من قسوة الزمن وجناية الأسلاف على الأخلاف، أو هو قد حسبها في حساب الموازنة بين المناقب والمعائب، وبين حكم المروءة وحكم السياسة المشنوءة
Bilinmeyen sayfa