Fatıma Zehra ve Fatımiler
فاطمة الزهراء والفاطميون
Türler
ولم يكن الحاكم من المسرفين في الشهوات فتختل أعصابه من قبل الإسراف، ولم يكن يعاقر الخمر أو يستطيبها بل كان يحرمها وينهى عنها، ولم يشرب النبيذ إلا بإلحاح طبيبه الذي خطر له أن يعالجه بإدخال السرور إلى نفسه في مجالس الغناء مع يسير من الشراب، وإنما «عرض له - كما قال الطبيب يحيى الأنطاكي في تاريخه - تشنج من سوء مزاج يابس في دماغه، وهو مزاج المرضى الذي يحدث في المالنخوليات، واحتاج في مداواته منه إلى جلوسه في دهن البنفسج وترطيبه به، وإن كثرة سهره أيضا وشغفه بمواصلة الركوب والهيمان الدائم مما يقتضيه هذا السوء المتقدم ذكره، وإن أبا يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن أنسطاس لما خدمه استماله إلى أن تسامح في شرب النبيذ وسماع الأغاني بعد هجره لها ومنع الكافة منها، فانصلحت أخلاقه وترطب مزاج دماغه واستقام أمر جسمه، ولما مات أبو يعقوب وعاد إلى الامتناع عن شرب النبيذ ومن سماع الغناء رجع إلى ما كان عليه.»
تلك هي خلائق الحاكم كما يصورها علم النفس، ولا يصور لنا فيها شيئا من تلك الأعاجيب التي يستغربها مؤرخو النصوص والأوراق؛ فإن طفلا يصاب بالتشنج وتحيط به في سن المراهقة دسائس القصور التي تحيط بالملوك الصغار، وينشأ وهو يسمع الأحاديث عن التنجيم وأسرار البواطن والغيوب، ثم يبتلى من حوله بالمتزلفين والمنقبين عن مواطن الضعف في نفسه الحائرة - غير بدع أن يصاب بهوس الأسرار، وأن تصدر منه تلك النقائص التي ينساق فيها على الرغم منه، أو التي ينساق فيها مختارا؛ لأنه يتوهم أنه يروض نفسه بالتقشف والتهجد،
4
وحمل الناس عليها، والتقرب إلى الله بعقاب من ينحرف عنها، فتنكشف له الحجب التي لا تزال مسدلة دونه، ويتهم نفسه كلما خفيت عليه مساتيرها بنقص في الرياضة وقصور في العبادة، فلا يزال دهره بين خشوع العابد ومحاولة اليائس، وقلق الحائر وإيمان المستريح إلى الظنون، ودعوى المصدق لما يلقى عليه مما يستريح إليه.
وسواء صح أن نكبة الحاكم كانت إحدى جرائر «الحريم» ودسائس القصور، أو كانت نكبته جريرة المرض وحده؛ فقد صدقت فراسة المعز في عاقبة التكثر من الزوجات والجواري، وأخذت سياسة القصور تتشعب وتستشري
5
حتى تناولت كل شيء في الدولة والمجتمع، وكانت جرائرها آخر الأمر شرا قائما بذاته وشرا محسوبا عليه سائر الشرور؛ لأنه كان حائلا دون اتقائها ومنعها، كما كان حائلا دون معالجتها بعد وقوعها.
فمن جراء دسائس القصور تعددت قوى الجيش وشجرت
6
بينها نوازع الشقاق تبعا لاختلاف الأحزاب في كل حريم، فكان للدولة قوة من الترك وقوة من السودان إلى جانب القوة التي كانت لها من البربر والعرب، وأصبح حراس الأمن أول المزعجين للآمنين ولأنفسهم وللقادة والحكام.
Bilinmeyen sayfa