من مباشرة القضاء ومهمات الأمور، وكثرة إقبال الدنيا، لا يكاد يفتر عَنْ الطاعة ليلًا ونهارًا، ولا يشتغل بما لا يعنيه، وقورًا مهيبًا مؤانسًا ملاطفًا، يُصَلِّي النوافل من قيام مَعَ كبر سنه وبلوغه مئة سنة وأكثر، ويقول: لا أعوّد نفسي الكسل. حَتَّى في حال مرضه كَانَ يُصَلِّي النوافل قائمًا، وَهُوَ يميل يمينًا وشمالًا لا يتمالك أن يقف بغير ميل للكبر والمرض، فقيل لَهُ في ذَلِكَ، فَقَالَ: يا ولدي، النفس من شأنها الكسل، وأخاف أن تغلبني وأختم عمري بِذَلِكَ.
وَكَانَ إذا أطال عَلَيْهِ أحد في الكلام يَقُول لَهُ: عجِّل قَدْ ضيَّعتَ عَلَيْنَا الزمان، وَكَانَ إذا أصلح القارئ بَيْن يديه كلمة في الكِتَاب الذي يقرأ ونحوه، يشتغل بالذكر بصوت خفي قائلًا: الله الله، لا يفتر عَنْ ذَلِكَ حَتَّى يفرغ، وَكَانَ قليل الأكل لا يزيد عَلَى ثلث رغيف، ولا يأكل إلا من خبز خانقاه سعيد السعداء، ويقول: إنما أخص خبزها بالأكل لأن صاحبها كَانَ من الملوك الصالحين» (١).
سادسًا: وفاته
بَعْدَ عُمر بَلَغَ أو جاز بقليل المئة عام، كَانَتْ مملوءة بالعلم والتعليم، والتربية والإرشاد، اختار الباري - عزوجل - الْقَاضِي زكريا الأنصاري إلى جواره الكريم، بَعْدَ أن ابتلي بفقد نعمة البصر.
وَقَدْ حصل خُلْفٌ بين المؤرخين في تحديد سنة وفاته، بَعْدَ أن اتفقت كلمة جمهورهم عَلَى تحديد اليوم والشهر، وَهُوَ الرابع من ذي الحجة (٢).
فالجمهور عَلَى أن وفاته كَانَتْ سنة (٩٢٦ هـ) (٣)، في حين ذهب العيدروسي (٤)، وتابعه ابن العماد الحنبلي (٥)، إلى أنها كَانَتْ سنة (٩٢٥ هـ).
_________
(١) الكواكب السائرة ١/ ٢٠٢.
(٢) وقال الغزي: «يوم الأربعاء ثالث شهر ذي القعدة». الكواكب السائرة ١/ ٢٠٦.
(٣) الكواكب السائرة١/ ٢٠٦، والبدر الطالع١/ ٢٥٣، والأعلام٣/ ٤٦، ومعجم المؤلفين ٤/ ١٨٢.
(٤) النور السافر: ١١١.
(٥) شذرات الذهب ٨/ ١٣٥.
1 / 43