وَكَانَ عَلَى دَرَجَة من اليقين بالله وتفويض الأمور إليه، فروى من حاله أنه قَالَ:
«فلما أتممت شرحها - يعني: " البهجة " - غار بَعْض الأقران، فكتب عَلَى بَعْض نسخ الشرح: كِتَاب الأعمى والبصير؛ تعريضًا بأني لا أقدر أشرح البهجة وحدي، وإنما ساعدني فِيهِ رفيق أعمى كنت أطالع أنا وإياه، قَالَ: فاحتسبت بالله تَعَالَى، وَلَمْ ألتفت إلى مِثْل ذَلِكَ» (١).
وَكَانَ من أخلاقه أنه كَانَ صداعًا بالحق، لَمْ يثنه الخوف عَلَى المنصب أو هيبة سلطان عَنْ زجر الظالم أو إنذار العاصي، حَتَّى أن الغزي يذكر أن سبب عزله عَنْ القضاء: «بسبب خطه عَلَى السلطان بالظلم، وزجره عَنْهُ تصريحًا وتعريضًا» (٢).
«ومتع بالقول عَلَى ملازمة العِلْم والعمل ليلًا ونهارًا، مَعَ مقارنة مئة سنة من عمره من غَيْر كلل ولا ملل، مَعَ عروض الانكفاف لَهُ، بحيث شرح البُخَارِيّ جامعًا فِيهِ ملخص عشرة شروح، وحشَّى تفسير البيضاوي في هذِهِ الحالة» (٣).
والمترجم ممن قاسى مرارة الحرمان وعاش مصاعبها؛ لذا كَانَ يعرف لوعة المحرومين وضيق ذات يد المعدمين، فكان كَثِيْر البرِّ بطلبته وتفقد أحوالهم (٤)، مَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ من كثرة الصدقة والمبالغة في إخفائها، وَكَانَ لَهُ جَمَاعَة يرتب لَهُمْ من صدقته مَا يكفيهم إلى يوم وإلى أسبوع وإلى شهر، وإذا جاءه سائل - بَعْدَ أن أصيب بالعمى - يَقُول لِمَنْ عنده من جماعته: هَلْ هنا أحد؟ فإن قَالَ لَهُ: لا، أعطاه، وإن قَالَ لَهُ: نعم، قَالَ لَهُ: قل لَهُ: يأتينا في غَيْر هَذَا الوقت (٥).
وَقَدْ أورد الغزي كلمة جامعة في بيان أخلاقه، فَقَالَ: «وَكَانَ صاحب الترجمة مَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ من الاجتهاد في العِلْم اشتغالًا واستعمالًا وإفتاءً وتصنيفًا ومع مَا كَانَ عَلَيْهِ
_________
(١) الكواكب السائرة ١/ ١٩٨.
(٢) الكواكب السائرة ١/ ١٩٩.
(٣) الكواكب السائرة ١/ ١٩٩.
(٤) الكواكب السائرة ١/ ١٩٩.
(٥) المصدر السابق ١/ ٢٠٢.
1 / 42