لذَلِك فَلَا ملام عَلَيْهِ، بل هُوَ محسن مطلع، وَإِن لم يبين ذَلِك أدب لمجازفته فِي الدّين التَّأْدِيب الشَّديد، لينزجر عَن الْخَوْض فِي الْحَوْض وَعَن هَذَا الْأَمر الصعب فَإِن أُمُور الْآخِرَة من المغيبات عَنَّا فَلَا يجوز لنا أَن نقدم على الْإِخْبَار بِشَيْء مِنْهَا إِلَّا إنْ صَحَّ سَنَده عَن النَّبِي ﷺ، وَأَن مَا لَا يَصح سَنَده لَا يجوز ذكره إِلَّا مَعَ بَيَان ضعفه أَو مخرجه، وَأما الْجَزْم كَمَا وَقع لهَذَا الْخَطِيب فَلَا يجوز إِلَّا بِمَا علمت صِحَّته عَن النَّبِي ﷺ، ثمَّ ظَاهر قَوْله: إِن الْوَلِيّ قد يبلغ دَرَجَة النَّبِي ﷺ مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى الْكفْر، فَإِن من اعْتقد أَن الْوَلِيّ يبلغ مرتبَة النَّبِي ﷺ فقد كفر فليحذر هَذَا الْخَطِيب الْخَوْض فِي نَحْو ذَلِك من الْمسَائِل المشكلة فَإِن منْ لم يتضلع من الْعُلُوم السمعية والنظرية يكون خَطؤُهُ أَكثر من صَوَابه، نسْأَل الله التَّوْفِيق.
وَأخرج ابْن أبي عَاصِم فِي (الْمسند) عَن عَليّ كرم الله وَجهه سَمِعت رَسُول الله ﷺ يَقُول: (أول من يرد عليّ الْحَوْض أهل بَيْتِي وَمن أَحبَّنِي من أمتِي) . وَفِي حَدِيث مُسلم: (ترد عليّ أمتِي الْحَوْض يَوْم الْقِيَامَة آنيته عدد الْكَوَاكِب يختلج العَبْد مِنْهُم، فَأَقُول يَا رب إِنَّه من أمتِي، فَيَقُول: إِنَّك لَا تَدْرِي مَا أحدث بعْدك) وَفِي رِوَايَة عِنْد الطَّبَرَانِيّ: (لَا يشرب مِنْهُ من أَخْفَر ذِمَّتِي وَلَا من قتل أحدا من أهل بَيْتِي) . وروى مُسلم وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه عَن ثَوْبَان ﵁ سَمِعت رَسُول الله ﷺ يَقُول: (حَوْضِي من عدن إِلَى عمان مَاؤُهُ أَشد بَيَاضًا من اللَّبن وَأحلى من الْعَسَل، وأكؤسه عدد نُجُوم السَّمَاء من شرب مِنْهُ شربة لَا يظمأ بعْدهَا أبدا أول النَّاس على ورودًا فُقَرَاء الْمُهَاجِرين، فَقَالَ عمر: من هم يَا رَسُول الله؟ قَالَ: الشعث رؤوسًا الدُنُس ثيابًا لَا ينْكحُونَ المنعمَّات وَلَا تفتح لَهُم السدد) أَي أَبْوَاب السلاطين. وَفِي رِوَايَة لمُسلم وَابْن مَاجَه: (إِنِّي لأذود عَنهُ الرِّجَال كَمَا يذود الرجل الْإِبِل الغريبة عَن حَوْضه قيل: يَا رَسُول الله أَو تعرفنا؟ قَالَ: نعم، تردون عَليّ غُرَّا محجلين من أثر الْوضُوء لَيست لأحد غَيْركُمْ) . وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم: (مَا أَنْتُم بِجُزْء من مائَة ألف جُزْء مِمَّن يرد عليّ الْحَوْض يَوْم الْقِيَامَة) . وَفِي هَذِه إِشَارَة إِلَى كَثْرَة أمته ﷺ. وَأخرج الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره: (حَوْضِي أشْرب مِنْهُ يَوْم الْقِيَامَة) وَأخرج ابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ: (لتزدحم هَذِه الْأمة على الْحَوْض ازدحام الْإِبِل إِذا وَردت لخمس) . وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم عَن كَعْب بن عجْرَة أَن النَّبِي ﷺ خرج عَلَيْهِم فَقَالَ: (إِنَّه سَيكون أُمَرَاء بعدِي فَمن دخل عَلَيْهِم فَصَدَّقَهُمْ بكذبهم وَأَعَانَهُمْ على ظلمهم فَلَيْسَ مني وَلست مِنْهُ، وَلَيْسَ بوارد على الْحَوْض وَمن لم يدْخل عَلَيْهِم وَلَا يعينهم على ظلمهم وَلم يُصدقهُمْ بكذبهم فَهُوَ مني وَأَنا مِنْهُ وَهُوَ وَارِد على الْحَوْض) . [فَائِدَة] نقل الْقُرْطُبِيّ عَن الْعلمَاء أَنه يطرد عَن الْحَوْض من ارْتَدَّ أَو أحدث بِدعَة كالروافض والظلمة المسرفين فِي الْجور والمعلن بِالْمَعَاصِي، ثمَّ الطَّرْد للْمُسلمِ قد يكون فِي حَال، وَقد يشرب مِنْهُ ذُو الْكَبِيرَة، ثمَّ إِذا دخل النَّار لَا يعذب بالعطش اه مُلَخصا، وَهَذَا بِنَاء على أَن الْحَوْض قبل الصِّرَاط. وَالَّذِي رَجحه القَاضِي عِيَاض أَنه بعده وَأَن الشّرْب مِنْهُ بعد الْحساب والنجاة من النَّار، وأيده الْحَافِظ ابْن حجر بِأَن ظَاهر الْأَحَادِيث أَن الْحَوْض بِجَانِب الْجنَّة لينصبّ فِيهِ المَاء من النَّهر الَّذِي داخلها فَلَو كَانَ قبل الصِّرَاط لحالت النَّار بَينه وَبَين المَاء الَّذِي ينصب من الْكَوْثَر، وَلَا يُنَافِيهِ أَن جمعا يدْفَعُونَ عَنهُ بعد رُؤْيَته إِلَى النَّار لأَنهم يقربون مِنْهُ بِحَيْثُ يرونه فيدفعون فِي النَّار قبل أَن يخلصوا من بَقِيَّة الصِّرَاط وَالله أعلم بِالصَّوَابِ.
١٣ - وَسُئِلَ أمدنا الله من مدده: فِي قَول الإِمَام النَّوَوِيّ فِي الْأَذْكَار: بَاب مَا يَقُول إِذا رأى قَرْيَة يُرِيد دُخُولهَا أَو لَا يُريدهُ، وَذكر فِي ذَلِك حديثين مقيدين بِالدُّخُولِ، وَلم يذكر لعدم إِرَادَة الدُّخُول حَدِيثا، وَقد ذكره فِي تَرْجَمَة الْبَاب فَهَل الذّكر يفهم يَا سَيِّدي من سِيَاق الْحَدِيثين الْمَذْكُورين أَو من أَحدهمَا، عدم التَّقْيِيد بِإِرَادَة الدُّخُول أم لَا؟ وَيكون عدم تَقْيِيد الذّكر بِالدُّخُولِ فهمه النَّوَوِيّ من غير هذَيْن الْحَدِيثين اللَّذين أوردهما، وَرُبمَا يرى الْإِنْسَان فِي تراجم أَبْوَاب الرياض والأذكار شَيْئا زَائِدا على الْأَحَادِيث الَّتِي يَسُوقهَا فِي ذَلِك الْبَاب فَهَل ذَلِك لدقة فهمه من الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة على من لَيْسَ لَهُ خبْرَة بِالْحَدِيثِ أَو إِنَّمَا زَاده الإِمَام النَّوَوِيّ لما قَامَ عِنْده من غير الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة؟ أفتونا مَأْجُورِينَ أثابكم الله النَّعيم الأبدي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة بمنه وَكَرمه آمين؟ فَأجَاب ﵁: إِنَّمَا ذكر النَّوَوِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي التَّرْجَمَة عدم إِرَادَة الدُّخُول مَعَ التَّقْيِيد بإرادته فِي الحَدِيث للْإِشَارَة إِلَى أَن التَّقْيِيد بِإِرَادَة الدُّخُول فِي الحَدِيث
1 / 18