وإن شقّ على الداعي صومه وهو متنفل فالفطر أفضل، لما روى الدارقطني والبيهقي من رواية إبراهيم بن عبيد قال: صنع أبو سعيد الخدري طعامًا ودعا النبي ﷺ، فلما قدم الطعام أمسك بعض القوم وقال: إني صائم. فقال ﷺ: " يتكلف أخوك المسلم وتقول: إني صائم؟؟؟! أفطر، واقض يومًا مكانه ". قال الشيخ علاء الدين القونوي: وإذا استحب للصائم الأكل في الضيافة، فالمفطر بطريق الأولى انتهى. وإن لم يشق فإتمامه أفضل، كذا قاله جماعة من المراوزة. والذي قاله الشافعي في الأم، وجرى عليه العراقيون والبرماوي في الحلية: الفطر أفضل من غير تفضيل، وحكى ابن يونس عن رواية الجرجاني وجهًا: أنه يجب الفطر، وأبداه في الذخائر وجهًا احتمالًا، بناء على وجوب الأكل على المفطر، ويندب أن ينوي بالفطر إدخال السرور على أخيه. وخرج بالنفل صوم الفرض فيحرم فيه إن تضيّق كرمضان، وإن لم يتضيق كالنذر وقضاء رمضان، فكذلك إن مَنَعْنَا الخروجَ منه بعد الشروع فيه وهو الراجح، وإن لم نمنعه فوجهان: أحدهما يكون كالنفل، والثاني وهو الأصح كراهة الفطر والله أعلم. وحيث ترجّح الفطر، هل يجب عليه الأكل فيه؟ خلاف المرجح أنه يستحب، ولا يجب. فإنْ شاء أكل وإن شاء ترك، لأن المقصود الحضور وقد وجد، كذا صححه النووي في شرح مسلم في باب الوليمة. وقيل: يجب، صرح به في باب نذر الصائم فقال: الصحيح أنه يلزمه الأكل عندنا، ويشهد له الظاهر قوله ﷺ. وإن كان مفطرًا فليطعم، فإذا لم يأكل فلا معنى لصنع الوليمة، إذ كل أحد يقول: " لا آكل "، فلا يظهر لها ثمرة. وحكى الماوردي ثالثًا: أنه فرض كفاية وهو حسن، وحيث وجب ذلك فيكفي لقمة واحدة، لحصول ما ينطلق عليه الاسم، صرح به البغوي وغيره. وهذا في وليمة العرس. ولفظ المتولي يقتضي تعميم الخلاف في جميع الضيافات، وهو منقاس على أصل من يوجب الإجابة إليها. نقل ذلك كله المحيوي النعيمي الشافعي.
التنبيه الثالث:
فوائد لغوية
قال ابن الجوزي والصقلي: يقولون: وأكلت فلانًا بمعنى أكلت معه والصواب وأكلته. وقال الزبيدي: ويقولون لطمت الخبزة إذا صنعها بيده والصواب طَلَمْتَها. والطُّلْمة الخبزة بعينها والجمع طُلْم. وفي الحديث: " أنّ رسول الله ﷺ مرّ برجل يعالج طلمة لأصحابه في سفر ".
وقال الصلاح الصفدي في الضاد المعجمة: قال الصقلي في تثقيف اللسان: يقولون قدم الأمير في ضَفَفٍ يعنون في كثرة وإنما الضفف قلة الطعام وكثرة الآكلين. والحفف أن يكون الطعام على قدر آكليه. قلت ابن السكيت: الضفف كثرة العيال، وأنشد لبُشَيْر بن النِّكت:
قد احتذى من الدماء وأنتعل ... وكبّر الله وسمّى ونزل
بمنزل ينزله بنو عمل ... لا ضفف يشغله ولا ثقل
وقال مالك بن دينار: حدثنا الحسن قال: " ما شبع رسول الله ﷺ من خبز ولحم قط إلا على ضفف " قال مالك: فسألت بدويًا عنها فقال: تناولًا مع الناس. وقال الخليل: الضفف كثرة الأيدي على الطعام. وقال أبو زيد: الضفف الضيق والشدة. وقال الأصمعي: أن يكون المال قليلًا ومن يأكله كثيرًا. وقال الفراء: الضفف الحاجة، ويقال أيضًا: لقيته على ضفف أي عجلة. والضفف ازدحام الناس على الماء انتهى.
وقال ابن الجوزي: تقول العامة: لَحَسْتُ الإناء بفتح الحاء، والصواب كسرها. وقال: العامة تقول: لَعَقْت العسل بفتح العين، والصواب كسرها. وقال: العلوق بفتح اللام وهي تضمُّها انتهى.
وقال خلف الأحمر: المشُّ مسح اليد بشيء يقشر الدسم، ويقال للمنديل مَشُوش انتهى. وقال سفيان الثوري: ما وضع أحد يده في قصعة غيره إلاّ ذلّ له.
التنبيه الرابع:
الختان في الشهور الحرم
قال التقي ابن قاضي شهبة في تاريخه في رجب سنة عشرين وثمانمائة: في يوم السبت ثامن عشريه ختن الشيخ شهاب الدين الغزِّي ولده، وذكر لي أن المحب الطبري روى حديثًا: " من اختتن في شهر حرام، حرم الله فرجه على الزنا " فيحرر ذلك من الأحكام من باب السواك. انتهى التنبيهُ الرابعُ.
منظومات في أنواع الولائم
قد نظم هذه الولائم جماعةٌ غير من قدمناه، فقال بعضهم:
إنّ الولائمَ عَشْرَةٌ مَعْ واحدٍ ... مَنْ عَدَّهَا قدْ عَزَّ في أقرانِهِ
1 / 27