Yirminci Yüzyılda Bilim Felsefesi: Kökenler - Hasatlar - Gelecek Perspektifleri
فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية
Türler
ومن هنا انطلقت مرحلة هامة من مراحل الحضارة ومن مراحل العلم على السواء، تميز العلم فيها عن العلم الغربي الحديث في أن هذا الأخير انفصل انفصالا بائنا عن القيم والأخلاق، أما العلم العربي في الحضارة الإسلامية فقد تأتى في إطار توجههم الأخلاقي المثالي العام. وبينما انطلق العلم الحديث من صراع دام مرير مع الأيديولوجيا السائدة في أوروبا، فإن العلم العربي انطلق من داخل إطار الأيديولوجيا الحاكمة وبرعايتها. إن تمويل الخلفاء السخي للترجمة والبحث العلمي مسألة مذكورة ومشهورة، بيد أن هذا لا ينفي أبدا تجذر العلم في التربة العربية.
وتظل الرياضيات أعلى مدارج العقل العلمي وأرقى أشكال التفكير المنطقي المنظم والمدخل الحق للطرح العلمي، وقد لعب العرب دورا كبيرا في تاريخ الرياضيات ومسارات تطورها، وعلى مفترق الطرق بين الحساب والجبر وبين الجبر والهندسة؛ لذلك يجمل بنا أن نتوقف هنيهة إزاء الرياضيات العربية، خصوصا وأنها تبلور إلى أي حد كان العلم العربي استيعابا وتمثلا لروافد العلم القديم الشرقية والأوروبية على السواء، أو الهندية والإغريقية، ثم دفعا لمسيرة التقدم العلمي، وإلى الدرجة التي تضع الرياضيات العربية على مفترق الطرق كما ذكرنا.
وبصفة عامة أخذ العرب بتصنيف الإغريق للمباحث الرياضية، فانقسمت الرياضيات العربية إلى أربعة علوم أساسية هي: الحساب والهندسة والفلك «علم الهيئة» والموسيقى، وتتفرع فروعا عدة. ويعد الجبر - إنجاز الرياضيات العربية الأعظم - امتدادا أو فرعا للحساب.
لم يكن للعرب قبل الإسلام باع في العلوم الرياضية، الرياضة ليست كالشعر، بل هي كالفلسفة، أي نتيجة مباشرة لمعلول مستحدث هو الثورة الثقافية العظمى التي أحدثها الإسلام، ثم تعاظمت بفعل عوامل عديدة سوف نشير إليها، فسارت الرياضيات في الحضارة الإسلامية بالمرحلتين التاريخيتين اللتين مرت بهما الإنجازات المستحدثة للعقلانية العربية، أي مرحلة الترجمة والنقل، ثم مرحلة الإسهام والإبداع.
بدأت المرحلة الأولى حين أمر الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور بترجمة «السدهانات»، أي «مقالة الأفلاك » التي عرفها العرب باسم «السندهند»، وهي أكبر موسوعة هندية في الحساب والفلك والتنجيم، ومن وضع براهما جويت، وتتألف من جزأين، أحدهما عن الأزياج، أي سير الكواكب التي نستخرج منها جداول التقاويم، والآخر عن الوسائل الحسابية لهذه الجداول والتي فتحت أمام العرب آفاق الحساب وحساب المثلثات، وقد حملها إلى بغداد عام 153ه/770م العالم الهندي كنكه، فترجمها إلى العربية يعقوب بن طارق (ت796م)، وإبراهيم بن حبيب الفزاري المنجم (ت777م). كانت «السدهانات»، أو «السندهند» فاتحة الاتصال بالرياضيات الهندية، التي كانت بدورها العلة المباشرة لنشأة الرياضيات العربية، تنامت فيما بعد عن طريق الاتصال المباشر بالحضارة الهندية، خصوصا على يد اثنين من أكبر الرياضيين العرب؛ هما الخوارزمي والبيروني، كلاهما أتقن اللغة السنسكريتية وزار الهند.
لكن لم تشف «السندهند» غليل العقلية العربية الناهضة المتشوقة آنذاك، فأمر جعفر البرمكي بترجمة كتاب «إقليدس» ليكون أول ما ترجم من كتب اليونان، وأيضا البوابة العظمى التي دخل منها العقل العربي الإسلامي إلى عالم الهندسة، ويبدأ عصر ازدهار الرياضيات العربية.
فقد اهتم الإسلاميون بالرياضيات أكثر من اهتمامهم بسواها من مباحث العلوم العقلية، وانشغلوا بموقعها في النسق المعرفي. وضعها الكندي - أول الفلاسفة الإسلاميين - كمدخل للعلوم، فتسبقها جميعا، حتى المنطق ذاته يأتي بعد الرياضيات، وجعلها جسرا للفلسفة، وللكندي رسالة في أنه «لا تنال الفلسفة إلا بالرياضيات»، وله من الكتب والرسائل أحد عشر في الحساب، وثلاثة وعشرون في الهندسة، فضلا عن تسعة عشر في النجوم.
وإذا كان ابن سينا - الشيخ الرئيس - يضع المنطق في المدخل ثم الطبيعيات وبعدها تأتي الرياضيات، وأخيرا الإلهيات، فهذا يعكس مسار العقل وتدرج خطاه، فقد اهتم بالرياضيات أكثر من الكندي، وصنف علومها إلى علوم الرياضة الرئيسية؛ وهي العدد والهندسة والهيئة «الفلك» والموسيقى، ويتشعب عنها علوم الرياضة الفرعية، فعن العدد يتفرع الجمع والتفريق والحساب الهندي وعلم الجبر والمقابلة، وعن الهندسة يتفرع علم المساحة وعلم الحيل المتحركة وعلم جر الأثقال، وعلم الأوزان والموازين، وعلم الآلات الجزئية، وعلم المناظر والمرايا، وعلم نقل المياه، أما علم الهيئة فيتفرع عنه علم الأزياج والتقاويم، ومن فروع علم الموسيقى اتخاذ الآلات الغريبة.
وفي كل حال سلم التراث الإسلامي بالعلوم الرياضية بوصفها مبرهنات يقينية لا بد أن تحتل موقعها بدقة في بنية العقل، وحتى الإمام الغزالي حين صب جام غضبه على العقلانية وعلوم العقل، استثنى الرياضيات، وقال: إن أعظم جناية على الإسلام الظن بأنه ينكر الرياضيات، فظلت الرياضيات دائما لا معنى لإنكارها ولا للمخالفة فيها - بتعبير الغزالي.
على أية حال، أدى اهتمام الإسلاميين بالرياضيات وإعلاء شأنها إلى تناميها على أيديهم تناميا يصعب تفسيره فقط بهذه النظرة الداخلية للنسق المعرفي، فثمة عوامل خارجية في الحضارة الإسلامية دفعت إلى هذا، منها اهتمام العرب وأسلافهم العتيق بالتجارة وحساب الأنصبة والأرباح في البضائع والبيوع، وكمثال على مشاكل التجارة العربية التي احتاجت في حلها إلى عقلية رياضية متطورة: تناقص قيمة الجارية كلما تقدمت في العمر وحساب ثمنها، ثم نظام المواريث الإسلامي المعقد، وأيضا تعاظم جحافل الجيوش الجرارة وتوزيع رواتبها وغنائمها وحساب نفقاتها، ثم الرخاء الاقتصادي والتراكم المالي الذي تلى تكوين الإمبراطورية الإسلامية، ومشاكل حساب أنظمة الجزية والخراج والضرائب والزكاة، هذا فضلا عن مشاكل عمليات المساحة وتقسيم الأراضي وتشييد المدن.
Bilinmeyen sayfa