134

Yirminci Yüzyılda Bilim Felsefesi: Kökenler - Hasatlar - Gelecek Perspektifleri

فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية

Türler

64

ولم يتيسر هذا إلا بعد تقدم ملحوظ في الرياضيات ساعد على الترجمة المتبادلة للمظاهر التي تبدو لملاحظين مختلفين، وهي الترجمة التي تبلغ حدا عظيما من الصعوبة شاعت عن النظرية النسبية.

وكما رأينا، في هذا الإطار ظهر التآني، أي استحالة الحكم بأن حدثا وقع قبل أو بعد الآخر، فثمة أنظمة زمانية مختلفة، حتى إنه يمكن أن يكون الزمن قابلا للارتداد، للرجوع إلى الوراء. هكذا قوضت النسبية مفاهيم الاطراد والتسلسل الزماني المتعاقب، الضروري لمفهوم العلية ليجعل الحدث السابق علة واللاحق معلولا، بالإضافة إلى أن جاذبية نيوتن «التثاقل» التي تعد التمثيل العيني للعلية قد حل محلها تحدب الكون، لقد اهتزت العلية الكونية، واهتز تسلسل الأحداث العلي في اتجاه واحد من مطلق الماضي إلى مطلق المستقبل، وكل ما على العالم أن يلاحظها بموضوعية مطلقة وكأنه يراقبها من وراء ستار، فلا يتدخل إطلاقا، دوره سلبي لا يؤثر البتة في نتيجة استقراء الظاهرة: القانون العلمي الذي هو اكتشاف لحقيقة الظاهرة.

لقد أثيرت مشكلة الاستقراء حين كشفت التحليلات الفلسفية والمنطقية، منذ أيام هيوم، عن استحالة تبرير مبدأ العلية واطراد الطبيعة، وما أضافته ثورة الفيزياء الكبرى هو أنه ليس ثمة حاجة إليهما، إن الكوانتم جعلت الفيزيائي في القرن العشرين لا ينشغل بالعلية، بل بالقوانين الإحصائية، يحصر همه في الارتباطات والعلاقات والتأثيرات والتفسيرات، وليس التعليلات، يعمل بالآلات الدقيقة في معمله ليكشف قوانين انتظام الطبيعة، ولا يعوزه البتة مفهوم الاطراد الحتمي؛ لأنه يعلم جيدا حدود الدقة المتاحة ويدرك صعوبة أن يجعل الظاهرة تكرر نفسها تماما، إلا داخل حدود من اللاتعين - بعد أن لفت هيزنبرج الأنظار إلى تأثير الأجهزة المعملية في الظواهر المرصودة - فلا يبحث عن اطراد الطبيعة، ويكفيه انتظامها القائم على أساس إحصائي لا علي ليبحث عن احتمالية الظاهرة - أي ترددها بنسبة مئوية معينة مستمدة من ترددات لوحظت في الماضي - ويفترض أنها سوف تسري تقريبا في المستقبل.

هكذا تبرأت الإبستمولوجيا العلمية من مبدأ العلية الكونية واطراد الطبيعة ودورانهما المنطقي الشهير. ربما ظل مبدأ العلية هاديا للعقل حين التفكير في هذه الزاوية أو تلك، لكنه بالتأكيد لم يعد أساس الإبستمولوجيا العلمية كما كان في الفيزياء الكلاسيكية، خصوصا بعد دخول المصادفة في بنية الطبيعة. لقد ارتدت المصادفة ثوبا قشيبا، وتخلصت من أدران جائرة لحقت بها في عصور يقين العلم الحتمي الذي كان يفسر المصادفة والاحتمال تفسيرا ذاتيا، أي كان يرجعه إلى جهل الذات العارفة وعجزها عن الإحاطة بعلل الظاهرة. علمتنا الميكانيا الموجية ومعادلات إيرفين شرودنجر أن المصادفة والاحتمال تفسيران لصميم طبيعة الظاهرة موضوع الدراسة، لقد أصبح الاحتمال موضوعيا.

والمحصلة أن تبخر اليقين من عالم العلم، حتى شاع القول الدارج: إن العلماء ليسوا على يقين من أي شيء، ويكفي أن العوام على يقين من كل شيء. وتبقى أبرز معالم إبستمولوجيا القرن العشرين أنها انتهت إلى أن أي قضية إخبارية، بما هي إخبارية، تظل احتمالية، اليقين فقط في القضايا التحليلية الفارغة من أي مضمون، كقضايا المنطق والرياضيات، وحتى اليقين الرياضي اتضح أن أمره ليس بسيطا ومحسوما كما كان يظن، ولكن نتفق على أن صياغة القوانين العلمية في لغة رياضية لن تعني حتمية أو لا حتمية؛ لأن الرياضيات في حد ذاتها محايدة، محض رموز نعبر بها عن أي مرموز إليه، ونملؤها بالمضمون التطبيقي، سواء افترضناه حتميا أو لا حتميا.

ومع تقدم فيزياء القرن العشرين المتوالي في طريقها اللاميكانيكي اللاعلي الإحصائي الاحتمالي، امتدت اللاحتمية إلى فروع العلم الأخرى. وإذا كانت نظرية دارون قد جلبت ظاهرة الحياة تحت مظلة الحتمية، فإن البيولوجيا في القرن العشرين قد انتهت إلى خطأ افتراض دارون القائل: إن الصفات المكتسبة تنتقل وراثيا. وعن طريق الاسترشاد باللاحتمية أمكن تفسير التغيير الوراثي تفسيرا مبنيا على الإثبات التجريبي للتحولات - أي للتغيرات في المادة الوراثية وأنها تتم بفعل أسباب عشوائية - فيترك الأمر لقوانين الاحتمال التي تؤدي بمضي الوقت وببطء إلى أشكال من الحياة نزداد علوا بالتدريج. ومن ناحية أخرى، تقدم العالم البريطاني جبرييل دوفر

G. Dover

من جامعة كمبردج في الثمانينيات بفرض يطرح مبدأ الصدفة التي تحكم الطفرات الوراثية.

تمسك كلود برنار في القرن التاسع عشر بمبدأ الحتمية لكي تلتحم العلوم البيولوجية بالعلوم الفيزيوكيمائية، ومن أجل هذا الالتحام في القرن العشرين تقدم البيولوجي الفرنسي مونو (1910-1976م) الحاصل على جائزة نوبل بنظرة لا حتمية تستوعب أبعاد الكوانتم والنسبية ومحصلات ثورتيهما، ويخرج منها بأن العالم الحي لم يظهر البتة بصورة ميكانيكية، بل هو ظاهرة فريدة ولا تنبئية، لكن يمكن تماما تفسيرها على أساس الإبستمولوجيا العلمية اللاحتمية، وقبل أن يثبت خصوبة هذا الفرض ينبهنا إلى قسوة اللاحتمية البيولوجية؛ لأننا نريد لوجودنا أن يكون ضروريا وحتميا ومرادا منذ أول الخلق. والعلم البيولوجي الحتمي استمرار لجهد البشرية الدائب والبطولي في سبيل قلب احتمال وجودها إلى ضرورة.

Bilinmeyen sayfa