حين سمع به، فدعاه إلى الله وإلى الإسلام، فقال له سويد: فلعل الذي معك مثل الذي معي، فقال له رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، وما الذي معك؟ قال: مجلة لقمان، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : اعرضها علي، فعرضها عليه، فقال له: إن هذا الكلام حسن، والذي معي أفضل من هذا، قرآن أنزله الله علي، هو هدى ونور، فتلا عليه رسول الله القرآن، ودعاه إلى الإسلام فلم يبعد منه، وقال: إن هذا لقول حسن» ... إلخ
2 .
ولكن من لقمان هذا؟ ما هويته؟ وما قومه؟ وأية مدنية تمثلها حكمته؟ وفي أي عصر كان؟ لم يصل العلم إلى تحقيق ذلك بعد، وقد اضطربت الأقوال فيه اضطرابا كبيرا، فقيل: كان نوبيا من أهل أيلة، وقيل: كان حبشيا، وقيل: كان أسود من سودان مصر، وزعم وهب بن منبه أنه يهودي، وأنه ابن أخت داود؛، وقيل: ابن خالته وكان في زمنه، وفي تفسير البيضاوي: «إنه لقمان بن باعورا من أولاد آزر ابن أخت أيوب أو خالته، وعاش حتى أدرك داود وأخذ منه العلم»، ويقول ياقوت في معجمه في مادة طبرية: «وفي شرق بحيرة طبرية قبر لقمان الحكيم وابنه، وله في اليمن قبر، والله أعلم بالصحيح منهما» اه.
ويروي بعضهم حديثا عن النبي
صلى الله عليه وسلم
أنه قال : «سادة السودان أربعة: لقمان، والنجاشي، وبلال، ومهجع»، وظاهر أن كلمة السودان لا يراد بها السودان بالمعنى الذي نصطلح عليه الآن، إنما يراد بها الجنس الأسود.
وعلى كل حال، فالذي نستنتجه من هذا أنهم مجمعون على أنه ليس عربيا، وأنه أدخل على العرب حكمة أمة أخرى، ويرجح بعضهم أنها العبرية، ويزعمون أن كلمة لقمان تعريب من العرب لكلمة بلعم، وبلعم بن باعورا يهودي معروف، وقد ذكر الإمام مالك في موطئه كثيرا من حكمه؛ وجمعت له جملة أمثال قصصية في كتاب اسمه: «أمثال لقمان» ويدل ضعف أسلوبه، ونزول عبارته، وكثرة الخطأ النحوي والصرفي فيه، على أنه موضوع من عهد قريب، ولم يرد ذكر هذا الكتاب في كتب العرب القديمة فيما نعلم، ورأى بعض الباحثين وجوه شبه بين بعض الأمثال المنسوبة للقمان، وقصص «إيزوب» اليونانية، وأخذوا يفترضون الفروض في منشأ ذلك مما ليس هذا محله.
وبعد؛ فإن نحن نظرنا إلى أمثال العرب التي نسبت إلى الجاهليين وجدنا بعضها سخيفا يستخرج منك ابتسامة الاستهزاء، كالذي ذكرنا من قبل من أقوال ساقطة التعبير، وبعضها قبيح اللفظ في فحش، وبعضها نظرات للحياة متناقضة، مثل: «سمن كلبك يأكلك»، «وأجع كلبك يتبعك»؛ وكثير منها نتيجة تجربة صادقة ونظر هادئ حكيم، مثل: «أخو الظلماء أعشى بليل»، و«إن من الحسن لشقوة»، و«أم الصقر مقلات نزور»، و«تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها»، و«التمرة إلى التمرة تمر»، و«الثكلى تحب الثكلى»، و«الحرب مأيمة»، و«بئس العوض من جمل قيده»، و«بينهم داء الضرائر»، و«ترى الفتيان كالنخل، وما يدريك ما الدخل» ... إلخ.
Bilinmeyen sayfa