الجزء الأول: العرب في الجاهلية
1 - جزيرة العرب
2 - اتصال العرب بمن جاورهم من الأمم
3 - طبيعة العقلية العربية
4 - الحياة العقلية للعرب في الجاهلية
5 - مظاهر الحياة العقلية
مصادر هذا الباب
الجزء الثاني: الإسلام
6 - بين الجاهلية والإسلام
7 - الفتح الإسلامي، وعملية المزج بين الأمم
Bilinmeyen sayfa
مصادر هذا الباب
الجزء الثالث: الفرس وأثرهم
8 - دين الفرس
9 - الأدب الفارسي
مصادر هذا الباب
الجزء الرابع: التأثير اليوناني - الروماني
10 - النصرانية
11 - الفلسفة اليونانية
12 - الأدب اليوناني والروماني
مصادر هذا الباب
Bilinmeyen sayfa
الجزء الخامس: الحركة العلمية وصفها ومراكزها
13 - وصف الحركة العلمية إجمالا
14 - مراكز الحياة العقلية
مصادر هذا الباب
الجزء السادس: الحركة الدينية تفصيلا
15 - القرآن وتفسيره
مصادر هذا الفصل
16 - الحديث
أهم مصادر هذا الفصل
17 - التشريع
Bilinmeyen sayfa
مصادر هذا الفصل
الجزء السابع: الفرق الدينية
18 - الخوارج
19 - الشيعة
20 - المرجئة
21 - القدرية أو المعتزلة
أهم مصادر هذا الباب
أهم الأحداث في ذلك العصر
الجزء الأول: العرب في الجاهلية
1 - جزيرة العرب
Bilinmeyen sayfa
2 - اتصال العرب بمن جاورهم من الأمم
3 - طبيعة العقلية العربية
4 - الحياة العقلية للعرب في الجاهلية
5 - مظاهر الحياة العقلية
مصادر هذا الباب
الجزء الثاني: الإسلام
6 - بين الجاهلية والإسلام
7 - الفتح الإسلامي، وعملية المزج بين الأمم
مصادر هذا الباب
الجزء الثالث: الفرس وأثرهم
Bilinmeyen sayfa
8 - دين الفرس
9 - الأدب الفارسي
مصادر هذا الباب
الجزء الرابع: التأثير اليوناني - الروماني
10 - النصرانية
11 - الفلسفة اليونانية
12 - الأدب اليوناني والروماني
مصادر هذا الباب
الجزء الخامس: الحركة العلمية وصفها ومراكزها
13 - وصف الحركة العلمية إجمالا
Bilinmeyen sayfa
14 - مراكز الحياة العقلية
مصادر هذا الباب
الجزء السادس: الحركة الدينية تفصيلا
15 - القرآن وتفسيره
مصادر هذا الفصل
16 - الحديث
أهم مصادر هذا الفصل
17 - التشريع
مصادر هذا الفصل
الجزء السابع: الفرق الدينية
Bilinmeyen sayfa
18 - الخوارج
19 - الشيعة
20 - المرجئة
21 - القدرية أو المعتزلة
أهم مصادر هذا الباب
أهم الأحداث في ذلك العصر
فجر الإسلام
فجر الإسلام
يبحث عن الحياة العقلية في صدر الإسلام إلى آخر الدولة الأموية
تأليف
Bilinmeyen sayfa
أحمد أمين
مقدمة الطبعة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
بقلم أحمد أمين
يناير 1933
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
ظهرت الطبعة الأولى لهذا الكتاب نحو أول سنة 1929، وكان ما لقيته من الباحثين من أهل العربية والمستشرقين أكبر مشجع لعملي، فقد نقدوه وقرظوه، وانتفعت بما أبدوه من آراء قيمة في نقده وتحليله، أذكر منهم الأستاذ مصطفى عبد الرازق، والدكتور عبد الوهاب عزام، والدكتور برجستراسر، والدكتور شادة، والأستاذ مرسيه، والأستاذ جعفري.
وكنت أود أن أتوسع في بعض فصوله وأزيد فيه فصولا لم تكن، وأحكي آراء الباحثين من المستشرقين فيما ذهبوا إليه أخيرا، ولكن اشتغالي في إخراج «ضحى الإسلام» منعني من تحقيق كل رغبتي فحققت من ذلك ما استطعت، وزدت في هذه الطبعة بعض أمثلة عثرت عليها أثناء قراءتي، وأوضحت بعض ما غمض، وصححت ما عثرت عليه من خطأ في الطبع أو في الرأي، والله أسأل أن ينفع به كما نفع بأصله.
الجزء
العرب في الجاهلية
Bilinmeyen sayfa
الفصل الأول
جزيرة العرب
ليست جزيرة العرب وحدها هي مسكن العرب، فقد كانت لهم مساكن فيما حولها، ولكن كانت الجزيرة مسكن أكثرهم، وأهم مساكنهم، فأضيفت إليهم.
وهي إقليم في الجنوب الغربي من آسيا، يحد من الشمال ببادية الشام، ومن الشرق بالخليج الفارسي وبحر عمان، ومن الجنوب بالمحيط الهندي، ومن الغرب بالبحر الأحمر.
وهي أعلى ما تكون غربا ثم تنحدر إلى الشرق إلا عند عمان؛ وليس فيها أنهار دائمة الجريان، ولكن أودية يجري فيها الماء حينا ويجف حينا.
أكبر جزء فيها صحراؤها في وسطها، وليست طبيعة هذه الصحراء متشابهة، بل متنوعة أنواعا ثلاثة: (النوع الأول):
الصحراء المسماة بادية السماوة، وقريب من مدلولها ما يسمى اليوم «صحراء النفود»، (وهو اسم لم يكن يعرفه العرب)، وهي في الشمال، وتمتد نحو 140 ميلا من الشمال إلى الجنوب، و180 ميلا من الشرق إلى الغرب؛ ورمالها غالبا وعساء
1 ، ليس بها إلا القليل من آبار وعيون، والسير فيها شاق عسير لطبيعة أرضها، ولأن الرياح تلعب برملها فتجعل منه كثبانا ووهادا؛ تمطرها السماء شتاء فينبت في بعض بقاعها نبات صحراوي، وأزهار صغيرة مختلفة الألوان؛ وأغلب سكانها بدو يرحلون عنها صيفا إلى التخوم لجدها وقيظها، ثم يأتون إليها شتاء لرعي إبلهم وشائهم.
جنوبي بادية السماوة ما يسمى الآن جبل شمر، وهو هلالي الشكل محدودب إلى الجنوب مناخه معتدل ، وأمطاره غزيرة، وأعشابه كثيرة، نثرت فيه جملة قرى وبلدان؛ وهذا الجبل هو المعروف عند العرب بجبل طيئ، وهما: أجا وسلمى، سمي بشمر وهو فرع حديث من فروع طيئ. (النوع الثاني) من الصحراء:
صحراء الجنوب، وتتصل ببادية السماوة، وهي تمتد شرقا حتى تصل إلى الخليج الفارسي، وقد قدرت مساحتها بخمسين ألف ميل مربع؛ وأرضها غالبا مستوية صلبة، انتثرت حصباؤها، وتموجت رمالها، وإذا نزل المطر في موسمه أنبتت الأرض كلأ، فيخرج البدو بإبلهم وشائهم ونسائهم، ويقيمون نحو ثلاثة أشهر، ترعى فيها ماشيتهم، وهم يشربون من ألبانها، فإذا جاء الصيف جف الزرع فعادوا إلى مواطنهم، ويغلب على هذا القسم أيضا الجدب، وفي قليل من بقاعه أشجار وغابات نخيل، وقد سمته العرب جملة أسماء: فالجزء الأول الذي بين شرقي اليمن وحضرموت يسمى صيهدا، والذي بين شمالي حضرموت وشرقيها يسمى الأحقاف، والذي في شمالي مهرة يسمى الدهناء، ويسمى الآن جميعه بالربع الخالي. (النوع الثالث) من الصحراء:
Bilinmeyen sayfa
الحرات؛ والحرة - كما في معجم ياقوت - «أرض ذات حجارة سود نخرة كأنها أحرقت بالنار» وهذه الحرات مقذوفات بركانية تبتدئ من شرقي حوران وتمتد منتثرة إلى المدينة، وتقع المدينة نفسها بين حرتين؛ وهي كثيرة في جزيرة العرب عد منها ياقوت في معجمه نحوا من تسع وعشرين حرة، أشهرها حرة واقم، وهي التي تنسب إليها وقعة الحرة
2 .
إذا نحن عدونا الصحراء وجدنا غربي جزيرة العرب يتألف من جزأين: الحجاز شمالا واليمن جنوبا، والحجاز يمتد من أيلة (العقبة) إلى اليمن، وسمي حجازا - فيما يقولون - لأنه سلسلة جبال تفصل تهامه - وهي الأرض المنخفضة على طول شاطئ البحر الأحمر - عن نجد، وهي الأرض المرتفعة شرقا، والحجاز قطر فقير به كثير من الأودية، تمتلئ بالسيل غب المطر، وتسير مياهه صوب البحر؛ ولكن مياهه ليست بالغزيرة؛ ومناخه في بعض بلاده معتدل كالطائف، وفيما عدا ذلك حار شديد الحرارة؛ وأغلب سكانه بدو رحل، وبدوه في أيامنا هذه يبلغون نحو خمسة أسداس السكان، والسدس فقط قار في القرى والمدن.
وأهمية الحجاز نشأت من وقوعه على الطريق التجاري الذي يربط اليمن ببلاد الشمال، وقد رحل إليه قبل الإسلام اليهود، وأنشئوا فيه مستعمرات في خيبر والمدينة وغيرهما، وأشهر مدنه: مكة وهي في واد غير ذي زرع، طولها من الشمال إلى الجنوب نحو ميلين، وعرضها من الشرق إلى الغرب نحو ميل، وليس بها ماء إلا بئر زمزم؛ والمدينة واسمها يثرب، وفي شماليها جبل أحد، وبها نخل كثير، وفي شماليها الشرقي خيبر، وأرضها لا تصلح للزرع.
وفي جنوبي الحجاز بلاد اليمن، وهي تشمل الزاوية الغربية الجنوبية من الجزيرة، قد عرفت قديما بالخصب والغنى؛ وأشهر مدنها صنعاء، وكانت مقر ملوك اليمن قديما، وبقربها قصر غمدان الشهير، وفي جنوبها الشرقي مدينة مأرب مسكن سبأ، ومن مدن اليمن كذلك نجران وعدن، وكان لسكان اليمن قديما علاقات بالهند والشرق الأدنى.
وفي شرقي اليمن صقع حضرموت، وهو صقع كثير الجبال كثير الوديان، وبه مدن خربة عليها كتابات بالخط المسند.
وفي شرقي حضرموت «ظفار»، وهي من قديم مصدر للتوابل والطيب وبخور المعابد، ولا يزال - إلى اليوم - يرسل منها إلى الهند.
وفي الزاوية الجنوبية الشرقية من الجزيرة عمان، وهو قطر جبلي على شاطئ البحر، وقد اشتهر سكانه قديما بالمهارة في الملاحة؛ وفي الشمال الغربي من عمان قطر البحرين ويمتد إلى حدود العراق.
والجزء المرتفع الذي يمتد من جبال الحجاز ويسير شرقا إلى صحراء البحرين يسمى «نجدا»، وهو مرتفع فسيح، فيه صحراوات وجبال، نثرت فيه أراض صالحة للزراعة، وهو أصح بلاد العرب وأجودها هواء.
وبين نجد واليمن «اليمامة»، وهي تتصل بالبحرين شرقا وبالحجاز غربا، وتسمى أيضا بالعروض لاعتراضها بين اليمن ونجد، وقيل: إنها بلد طسم وجديس، وبها خرج مسيلمة.
Bilinmeyen sayfa
وبقرب الحد بين اليمامة وتهامة عكاظ ذات السوق المشهور.
ومناخ جزيرة العرب - على العموم - حار شديد الحرارة، يعتدل الليل في أراضيها المرتفعة صيفا ويتجمد ماؤها شتاء؛ وأحسن هوائها الرياح الشرقية وتسمى الصبا، وكثيرا ما تغنى الشعراء بمدحها وعلى العكس من ذلك ريح السموم؛ وأحسن أيامها أيام الربيع، وهي تعقب موسم المطر فينبت الكلأ والعشب، ترعى الإبل والماشية. •••
يسكن هذه الجزيرة العرب ، وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن العرب ومن حولهم كانوا من أصل واحد، ثم تحضر من حولهم وتخلفوا هم، وقد تحضر سكان الفرات، وتحضر وادي النيل، وظل العرب تغلب عليهم البداوة لما حاصرتهم جبالهم وبحارهم.
وسواء صح هذا أم لم يصح فقد تأخر العرب عمن حولهم في الحضارة، وغلبت عليهم البداوة، وعاش أكثرهم عيشة قبائل رحل، لا يقرون في مكان، ولا يتصلون بالأرض التي يسكنونها اتصالا وثيقا كما يفعل الزراع، بل هم يتربصون مواسم الغيث، فيخرجون بكل ما لهم من نساء، وإبل يتطلبون المرعى، لا يبذلون جهدا عقليا في تنظيم بيئتهم الطبيعية كما يفعل أهل الحضر، إنما يعتمدون على ما تفعل الأرض والسماء فإن أمطروا رعوا، وإلا ارتقبوا القدر، وليس هذا النوع من المعيشة بالذي يرقي قومه ويسلمهم إلى الحضارة، إنما يسلم إلى الحضارة عيشة القرار واستخدام العقل في تنظيم شئون الحياة.
هذه العيشة البدوية هي التي كانت سائدة في جزيرة العرب، وإن كان هناك أصقاع ممدنة كصقع اليمن.
وهؤلاء البدو وأشباههم ينقسمون إلى قبائل، والقبيلة هي الوحدة التي تبنى عليها كل نظامهم الاجتماعي، وهذه القبائل في نزاع دائم، وقد تتحالف القبيلة مع قبيلة أو قبائل أخرى للإغارة على حلف آخر أو لرد غارة، أو نحو ذلك من الأغراض، وقد تمر الأجيال وتنسى القبائل المتحدة أسماءها وشخصياتها، وتنضم تحت اسم واحد هو اسم أقواها، ثم قد يزعمون فيما بعد أنهم من أب واحد وأم واحدة.
وقد عني المؤرخون بنسب القبائل وتفرعها، وألفوا فيها الكتب الكثيرة، ولكن هذه الأنساب في مجموعها كانت ولا تزال مجالا للشك الكبير، «سئل مالك رحمه الله عن الرجل يرفع نسبه إلى آدم فكره ذلك وقال: من أين يعلم ذلك؟ فقيل له: فإلى إسماعيل، فأنكر ذلك وقال: ومن يخبره به؟»
واعتاد النسابون أن يقولوا: إن عرب الشمال من نسل إسماعيل بن إبراهيم، وعرب الجنوب من نسل يقطان المسمى أيضا قحطان؛ وترجع هذه العقيدة إلى ما ورد في التوراة في سفر التكوين، ويسمى أهل الجنوب عادة اليمنيين أو القحطانيين، وأهل الشمال العدنانيين أو النزاريين أو المعديين، ولسنا الآن بصدد البحث في صحة هذا التقسيم، وكل الذي نريد أن نذكره أن هناك فوارق حقيقية بين القسمين من وجوه: (الأول):
أن القسم الجنوبي كان يعيش عيشة قرار، وتغلب عليه الحضارة،
لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور ، وأهل الشمال تغلب عليهم البداوة وعدم القرار. (الثاني):
Bilinmeyen sayfa
أنهم مختلفون أيضا في اللغة، فلغة اليمن كانت تخالف لغة الحجاز في أوضاعها وتصاريفها كما سنشير إليه بعد، وكانت لغة اليمن أكثر اتصالا باللغة الحبشية والأكادية، ولغة الحجاز أكثر اتصالا باللغة العبرية والنبطية. (الثالث):
أنهم مختلفون في درجة الثقافة العقلية تبعا لما هم عليه من عيشة بدوية أو حضرية، وتبعا لاختلافهم في اللغة والأمم المخالطة.
ولسنا نعني بما ذكرنا أن هذين القسمين كانا منفصلين تمام الانفصال، وأن كل قسم كان يسكن بلاده ولا يرحل عنها إلى الآخر، بل كان الأمر على عكس ذلك؛ فهم يحدثوننا أن كثيرا من أهل اليمن قبل الإسلام رحلوا إلى بلاد الحجاز، وقليل من أهل الحجاز رحلوا إلى اليمن؛ فأما رحلة اليمن إلى الحجاز فعللوها بانهيار سد مأرب في اليمن، وتفرق سكان البلاد إلى أنحاء الجزيرة، ويظن بعض المؤرخين أن من بين الأسباب التي بعثت على هذه الهجرة ما أصاب اليمن من السقوط والضعف في التجارة بين القرن الثالث والرابع قبل الميلاد، على إثر النشاط التجاري الذي قام به الرومانيون في البحر الأحمر في ذلك العهد، فكان ذلك ضربة شديدة لتجارة اليمن، وأما هجرة أهل الشمال إلى الجنوب فقد ترجع إلى كثرة نسل القبيلة وضيق موطنها بها فيضطرها ذلك إلى الرحلة.
على كل حال ذكر النسابون أن التنقل بين القبائل كان من قبل الإسلام كثير الوقوع وقد كان العداء مستحكما بين العدنانيين والقحطانيين من قديم، حتى رووا أن كلا منهم اتخذ لنفسه شعارا في الحرب يخالف شعار الآخر؛ فاتخذ المضريون العمائم الحمر والرايات الحمر، واتخذ أهل اليمن العمائم الصفر، قال الجوهري: سمعت بعض أهل العلم يفسر بذلك قول أبي تمام يصف الربيع:
محمرة مصفرة فكأنها
عصب تيمن في الوغى وتمضر
وأصل هذا العداء على ما يظهر هو ما بين البداوة والحضارة من نزاع طبيعي، وكان توالي الحوادث والوقائع الحربية يزيد في العداء ويقوي بينهم روح الشر؛ ومن أوضح المثل على هذا ما كان من العداء الشديد بين أهل المدينة - الأوس والخزرج - وهم على ما يذكر النسابون يمنيون، وأهل مكة وهم عدنانيون، وقد استمر هذا التنافس بينهم بعد الإسلام، وكان بين القومين حزازات ومفاخرات، وكل يدعي أنه أشرف نسبا، وأعز نفرا، وكان اليمنيون أحق بالفخر لما لهم من حضارة قديمة وملك راسخ، فلما جاء النبي
صلى الله عليه وسلم
وهو عدناني، وكانت الخلافة في قريش وهم عدنانيون، رجحت كفة العدنانيين، ويظهر أن اليمنيين أرادوا أن يعيدوا شيئا من التوازن في المفاضلة، فسلكوا في ذلك جملة طرق: منها أن رواتهم وقصاصهم لونوا تاريخهم القديم بلون زاه جميل، وزعموا أن قحطان ابن هود عليه السلام، ومنها أنهم وصلوا نسبهم بالعدنانيين بطرق شتى، كالذي ذهب إليه بعضهم من أن إسماعيل أبو العرب كلهم حتى قطحان؛ وربما كانوا هم الواضعين كذلك لنظرية تقسيم العرب إلى عرب بائدة وهم قحطان وعاد وثمود وطسم ... إلخ، ويسمون العرب العرباء أو العرب العاربة، أما العدنانيون فعرب في المنزلة الثانية في العربية؛ إذ يسمون عربا متعربة، وبعضهم يذهب إلى تقسيم العرب إلى عاربة وهم: عاد وثمود وطسم ... إلخ، ويسمي قحطان عربا متعربة، وعدنان عربا مستعربة؛ أي: أنهم في المنزلة الثالثة في العربية.
يستمر النسابون فيقولون: إن قحطان أبو اليمنيين جميعا، وإنه نسل شعبين عظيمين، شعب كهلان وشعب حمير، فشعب كهلان تفرع من فروع كثيرة أشهرها: (1)
Bilinmeyen sayfa
طيئ:
وهي تسكن الجبلين الشهيرين أجا وسلمى، وهما المعروفان الآن بجبل سمر، وقد سكنتهما طيئ من قبل الإسلام بقرون، واشتهر ذكرها حتى كان السريان والفرس يسمون كل العرب طيئا. (2)
همدان ومذحج:
وأغلبهم ظل يسكن اليمن، وإلى مذحج ينتسب بنو الحارث الذين سكنوا الجنوب الشرقي للطائف، وبجيلة التي كان لها أثر كبير في فتوح العراق في عهد عمر. (3)
عاملة وجذام:
وكانوا يسكنون بادية الشام، وإلى جذام تنتسب لخم التي أسست ملك الحيرة على الفرات، وكندة التي حكمت حضرموت، ومدت سلطانها على بني أسد في اليمامة، وإلى أسرتهم المالكة ينتسب امرؤ القيس. (4)
الأزد:
وهم قبيلة قوية حكمت عمان؛ ومنهم الغساسنة الذين أسسوا مملكتهم شرقي الشام، ومنهم أيضا خزاعة التي تسلطت على مكة قبل قريش، ومنهم كذلك سكان يثرب وهم قبيلتا الأوس والخزرج.
وأما شعب حمير فأشهر قبائله: (1)
قضاعة:
Bilinmeyen sayfa
وكانت تسكن شمالي الحجاز. (2)
تنوخ:
وقد نزلوا قديما شمالي الشام. (3)
كلب:
وكانوا يسكنون بادية الشام. (4)
جهينة وعذرة:
وقد نزلوا وادي إضم بالحجاز، وقد عرف العذريون برقة عواطفهم وطهارة عشقهم.
كذلك يقسم النسابون عدنان إلى فرعين كبيرين: ربيعة ومضر.
فأما ربيعة فأشهر قبائلها: (1)
أسد:
Bilinmeyen sayfa
وكانوا يسكون شمالي وادي الرمة. (2)
وائل:
وهي تنقسم إلى بكر وتغلب، وقد كانت بينهما حروب طويلة عقب قتل كليب كادت تفني القبيلتين جميعا؛ وإلى بكر بن وائل ينتسب بنو حنيفة باليمامة.
وأما مضر فأشهر قبائلها: (1)
قيس عيلان:
وهي من الشهرة بحيث يطلق اسم قيس أحيانا على من عدا اليمنيين؛ وإلى قيس تنتسب هوازن وسليم، وكانا يسكنان الجزء الغربي من نجد؛ وإلى قيس أيضا تنتسب غطفان، وغطفان تنقسم إلى القبيلتين الشهيرتين: عبس وذبيان، وكان العداء بينهما شديدا، وأشهر حروبهما الحرب المعروفة بحرب داحس والغبراء. (2)
تميم:
وكانت تسكن بادية البصرة. (3)
هذيل:
وكانت تسكن جبالا قريبة من مكة، وقد اشتهر الهذليون بكثرة شعرهم وجودته. (4)
Bilinmeyen sayfa
كنانة:
وهي تسكن جنوبي الحجاز، ومنها قريش وهي التي كانت تسود هذا القسم.
وقد كان بين ربيعة ومضر عداء شديد ظل قرونا طويلة أدى إلى أن ربيعة غالبا كانت تتحالف مع اليمنيين لمقاتلة المضريين.
هذه خلاصة لأشهر القبائل العربية ومواطنها، وقد ذكرنا أن هذه الأنساب مجال للشك؛ ولكنها سواء صحت أم لم تصح قد اعتنقها العرب، ولا سيما متأخريهم، وبنوا عليها عصبيتهم، وانقسموا في كل مملكة حلوها إلى فرق وطوائف حسب ما اعتقدوا في نسبهم، وأصبحت هذه العصبية مفتاحا نصل به إلى معرفة كثير من أسباب الحوادث التاريخية، وفهم كثير من الشعر والأدب، ولا سيما الفخر والهجاء، والإسلام جاء وكان قد تم اعتقاد العرب بأنهم في أنسابهم يرجعون إلى أصول ثلاثة: ربيعة ومضر واليمن، وأخذ الشعراء يتهاجون ويتفاخرون طبقا لهذه العقيدة، واستغلها خلفاء بني أمية ومن بعدهم، فكانوا يضربون بعضا ببعض مما لا محل لشرحه الآن.
حالة العرب الاجتماعية؛ قدمنا أن العرب في الجزيرة كانوا قسمين: بدوا وحضر، وأن البدو هو القسم الغالب.
فأما البدو فكانوا ولا يزالون يحتقرون الصناعة والزراعة والتجارة والملاحة، إنما يعيشون على ما تنتجه ماشيتهم، يأكلون لحومها بعد علاج بسيط، ويشربون ألبانها، ويلبسون أصوافها، ويتخذون منها مساكنهم، وإذا اشتد بهم الضيق أكلوا الضب واليربوع والوبر؛ وهم يعتمدون في تغذية ماشيتهم على الطبيعة: يخرجون بها في مواسم المطر إلى منابت الكلأ لترعى، فإذا انتهى الموسم عادوا إلى مواطنهم ينتظرون أن يحول الحول وينزل الغيث، وإذا احتاجوا إلى غير ما تنتجه ماشيتهم تعاملوا من طريق البدل، فكانوا يستبدلون بالماشية ونتاجها ما يتطلبون من تمر ولباس.
ونوع آخر اتخذوه أيضا وسيلة من وسائل العيش: وهو الغارة والسلب، يغيرون على قبيلة معادية - وكثيرا ما تكون المعاداة - فيأخذون جمالهم ويسبون نساءهم وأولادهم، وتتربص بهم القبيلة الأخرى ذلك فتفعل ما فعلوا، بل هم إذا لم يجدوا عدوا من غيرهم قاتلوا أنفسهم؛ ولعل خير ما يمثل ذلك قول القطامي:
فمن تكن الحضارة أعجبته
فأي رجال بادية ترانا
ومن ربط الجحاش فإن فينا
Bilinmeyen sayfa
قنا سلبا
3
وأفراسا حسانا
وكن إذا أغرن على قبيل
فأعوزهن نهب حيث كانا
4
أغرن من الضباب على حلال
وضبة إنه من حان حانا
5
وأحيانا على بكر أخينا
Bilinmeyen sayfa
إذا لم نجد إلا أخانا
ومن أجل هذا كثيرا ما تضطر القبيلة التي ضعفت إلى الاحتماء بقبيلة قوية تذود عنها، ولكن قل أن يدوم حلفهم أو يطول، بل سرعان ما ينتقض اجتماعهم وتنفصم وحدتهم، فينقلب المتحالفون أعداء متحاربين.
ليس في البدوي خلق يؤهله للتجارة، فإذا اشترك فيها اقتصر عمله على أن يكون سائقا أو هاديا للطريق أو حاميا من إغارة أمثاله.
أفراد القبيلة متضامنون أشد ما يكون من تضامن، ينصرون أخاهم ظالما أو مظلوما، يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم:
لا يسألون أخاهم حين يندبهم
في النائبات على ما قال برهانا
إذا جنى أحدهم جناية حملتها قبيلته، وإذا غنم غنيمة فهي للقبيلة ولرئيسها خيرها، وإذا أبت قبيلته أن تحميه لجأ إلى قبيلة أخرى ووالاها، وحسب نفسه كأنه أحد أفرادها؛ فوطنية البدوي وطنية قبلية لا وطنية شعبية، وهذا الشعور بارتباطه بقبيلة يحميها وتحميه هو المسمى بالعصبية.
والممعن في البداوة منهم ضعيف الإيمان بدين، قل أن يؤمن إلا بتقاليد قبيلته وما ورثه عن آبائه
الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم .
مثله الأعلى في الأخلاق تركز فيم سماه «المروءة»، تغنى بها في شعره وأدبه، ومن الصعب أن تحدها حدا دقيقا، ولكن يصح أن تقول: إنها تعتمد على الشجاعة والكرم؛ أما شجاعته فتتجلى في كثرة من نازله وقاتله، وفي مواقف دفاعه عن قبيلته، وأكثر من هذا في نجدته؛ وأما كرمه فيتجلى في نحر الجزور للضيف، وإغاثة البائس الفقير، وفوق هذا أن يعطي أكثر مما يأخذ، وأن «يغشى الوغى ويعف عند المغنم».
Bilinmeyen sayfa
دعاهم الكرم أن يأكلوا كثيرا ويشربوا النبيذ كثيرا؛ ولكن بلاد البدو وأشباهها مجدبة قليلة الإنتاج، لا تسد حاجات الكريم، فاتصلوا بأهل الشام والعراق واليمن يستعينون بما يكتسبون على جدب أرضهم وقسوة إقليمهم.
والمرأة تشارك الرجل في شئون الحياة، فهي تحتطب وتجلب الماء، وتحلب الماشية وتنسج المسكن والملبس، وتحيط الثياب، وهي - على الجملة - أقرب في عقليتها إلى عقلية الرجل؛ ولكنها لا تغنى غناء الرجل في الحروب، والحروب عندهم أساس لحياتهم، فانحطت لذلك منزلة المرأة عن منزلة الرجل، وكان في بعض القبائل وأد البنات، وكان فيهم من يقول الله فيه:
وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون . •••
أما الحضر من العرب فهم أرقى من ذلك كثيرا، يسكنون المدن ويقرون فيها، ويعيشون على التجارة أو الزراعة، وقد أسسوا قبل الإسلام ممالك ذات مدنية كاليمن، والغساسنة في الشام، واللخميين في العراق، كما سنذكره فيما يلي.
الفصل الثاني
اتصال العرب بمن جاورهم من الأمم
شاع بين الناس أن العرب في جاهليتها كانت أمة منعزلة عن العالم، لا تتصل بغيرها أي اتصال، وأن الصحراء من جانب والبحر من جانب حصراها وجعلاها منقطعة عمن حولها، لا تتصل بهم في مادة، ولا تقتبس منهم أدبا ولا تهذيبا، والحق أن هذه فكرة خاطئة، وأن العرب كانوا على اتصال بمن حولهم ماديا وأدبيا، وإن كان هذا الاتصال أضعف مما كان بين الأمم المتحضرة لذلك العهد، نظرا لموقعها الجغرافي ولحالتها الاجتماعية.
وهذا الاتصال بين العرب وغيرهم كان من طرق عدة، أهمها: (1)
التجارة. (2)
إنشاء المدن العربية المتاخمة لفارس والروم. (3)
Bilinmeyen sayfa