مختارات ابن الشجري. (7)
جمهرة أشعار العرب لمن يسمى أبا زيد القرشي.
والشعر الذي وصل إلينا عن الجاهلية لم يعد تاريخ أقدمه 150 سنة قبل البعثة؛ ونظرة عامة إليه تدلنا على أنه ليس متنوع الموضوعات كثيرا، ولا غزير المعاني، فما روي لنا من القصائد موسيقاه واحدة، يوقع على نغمة واحدة، والتشابيه والاستعارات تكرر غالبا في أكثر القصائد: قلة في الابتكار، وقلة في التنوع، ولنستعرض كثيرا منها، فماذا نرى؟
يتخيل الشاعر أنه راحل على جمل ومعه صاحب أو أكثر، وقد يعرض له في طريقه أثر أحبة رحلوا فيستوقف صحبه ويبكي معهم على رسم دارهم، ويذكر أياما هنيئة قضاها معهم، وأن العيش بعدهم لا يحتمل، ثم يصف محبوبته إجمالا وتفصيلا، ويخرج من هذا إلى وصف ناقته أو فرسه ويقارنها بالوعل أو النعامة أو الغزال، وقد يطفر من ذلك إلى وصف الصيد ومنظره ومنازلته؛ وبعد هذا كله يتعرض للموضوع الذي من أجله أنشأ القصيدة، فيتمدح بشجاعته أو يتغنى بفعال قبيلته، أو يعدد محاسن ممدوحه ويصف كرمه، أو يفتخر بموقعة انتصر فيها قومه، أو يهجو قبيلة عدت على قبيلته، أو يحمل قومه على الأخذ بالثأر أو يرثي راحلا؛ وهذه - تقريبا - كل الموضوعات التي قيل فيها الشعر الجاهلي، وهي موضوعات كما ترى محدودة ضيقة، هي ظل حياة الصحراء، وصورة صادقة لعيشة البداوة، والحق أنهم في البيان واللعب بالألفاظ كانوا أقدر منهم على الابتكار وغزارة المعنى، فترى المعنى الواحد قد توارد عليه الشعراء فصاغوه في قوالب متعددة تستدعي الإعجاب، ولكن لا يستدعي إعجابنا خلقهم للمعاني، وابتكارهم للموضوعات، وقد عبر عنترة عن ذلك بقوله:
هل غادر الشعراء من متردم
أم هل عرفت الدار بعد توهم
وزهير إذ يقول:
ما أرانا نقول إلا معارا
أو معادا من لفظنا مكرورا
ولكن ما أنصفوا، فقد غادر الشعراء كثيرا، والناس من قديم يشعرون ولا يزال مجال القول ذا سعة، ولا يزال الخيال الخصب ينتج ويجدد، ويخلق موضوعات لم تكن ومعاني لم يسبق بها؛ ولكن ضيقوا على أنفسهم، أو قل ضيقت عليهم بيئتهم فلم يجدوا إلا أن يقول معادا أو معارا.
Bilinmeyen sayfa