بالمنزلة المذكورة ليلا ومعه جماعة من السلاح داريّة الظاهرية ملبسين مثقلين، ولأنواع الفتن مستقبلين.
/ ٦١ أ / ولمّا بلغ مولانا السلطان ذلك ثبت له أيّما ثبوت، ولم يظهر عليه من الهلع شيء وانتظر وقت الظفر الموقوت. وطلب في الوقت الأمير بدر الدين بيليك الأيدمري وسيّره إليه، مستفسرا عن الأمر الذي عزم عليه. فقال: بلغني أنّ مولانا السلطان متغيّر الخاطر عليّ، مادّ طرف الغضب إليّ، من غير ذنب ولا سبب. وعاد الأمير بدر الدين المذكور بهذا القول. فللوقت رسّم مولانا السلطان، فكتبت له الأمان، متضمّنا ما فيه خلاصه من الأيمان. وقرنه بالخاتم والمنديل الشريف، فحين دخل على مولانا نهض له واقفا وأمر فأفيضت عليه ملابس التشريف. وأخذ مولانا السلطان في تسكين هلعه، وتوطين جزعه. وخرج من بين يديه، فعاد إلى ما نهي عنه من تسنّم ذلك الكوم، وسام ما كان قد اشتطّ فيه من سوم. فأعاد مولانا السلطان إليه الأمير بدر الدين المذكور قائلا له: ما هذا الاعتماد؟ / ٦١ ب / فقال: كأنّ هؤلاء رفقتي يشكون من الأمير علم الدين الشجاعي مدبّر المملكة بمصر، ومدّه إلى أرزاقهم يد عدوانه، واحتجب عن شكاوى وكلائهم بالسفهاء من أعوانه.
فحين عاد الأمير بدر الدين بهذه الشكاية أمر مولانا السلطان فكتبت إلى مولانا السلطان الملك الصالح ونائب السلطنة الأمير زين الدين كتبغا بعزله وكفّ يده، وأن لا تكون له قطيعة غير القعود بباب القلّه. وأن يستبدّ الصاحب برهان الدين السّنجاري بالوزارة، والأمير زين الدين الصوابي بشدّ الدواوين.
واستقرّ الحال، وتمّت المكيدة على الرجال، ولم يبق من هذه المنزلة إلاّ الرحال. وقوّض الدّهليز المنصور. ورحل مولانا السلطان إلى المنزلة المعروفة بعيون الأساور، ووجّه دهليزه إلى عكا إذ هي أقرب. فحين رأى الفرنج ذلك وأبطأ عليهم الخبر، ولم يجدوا لصحّته من أثر، بادروا بتسيير الرسل بالهدايا معتذرين، وبمصرع من خالف منهم / ٦٢ أ / وحالف معتبرين. فأهينت رسلهم، وضيّقت سبلهم. ثم استعطف مولانا السلطان عليهم فعطف، ولوطف فلطف. وقبل هديّتهم المحضرة، وأمهلهم وما أهملهم وقوفا عند الهدنة المقرّرة.
وسار مولانا السلطان على اسم الله تعالى والنصر مكتنف بأطلابه، ضامنا نجح طلاّبه. كلّ هذا وأيتمش السّعدي عاقد رأيه وراياته، والمشير بنفيه وإثباته. والحامل على فتنته بجهله، والماكر بسيء هذا الاعتماد ولا يحيق المكر السّيء إلاّ بأهله.
1 / 87