السلطان عندما أراد من حول الملك السعيد قتّله، وهرب إلى مولانا السلطان كما تقدّم شرحه. قد أحسن إليه مولانا السلطان وقرّ به. وعظّم منزلته في أيام ملكه وأدناه منه وما تجنّبه. وأبت نفسه أن لا تخرج من الدنيا حتى تسيء لمن أحسن إليها، وأن تجزى الحسنة بالسّيئة ومن أساء فعليها.
واتّفق / ٦٠ أ / أنّ مولانا السلطان لمّا خرج إلى الشام في السنة المذكورة صار يبلغه عن هذا المذكور ما يصمّ الآذان خبره، ويكاد أن يسري ضرره، ومولانا السلطان يغضي، ويقيّد حظّ نفسه ولا يمضي. ولم يزل كذلك إلى أن خيّم بالروحاء قريب عكا، وهي منزلة لم تزل الفرنج تهرج إلى مساكن مصر عند نزولها، وتضرّع له بالخضوع والخشوع عند حلولها، وتنوّع في هداياها، وتفنّن في تحاياها خشية أن يمرّ بواديها، أو يلمّ بناديها.
فأقام مولانا السلطان بهذه المنزلة خمسة عشر يوما ولا حسّ ولا خبر، ولا عين ولا أثر، ولا زائرا برز من عكا (حتى) (^١) ولا في أقبح الصّور. فحصل تعجّب مولانا السلطان من هذا الفتور، وعلم أنّ هذا الأمر سيكشف لطف الله منه المستور.
وكان بعكا مكاتب يقال له «جوان خندق»، فعندما وجد السبيل طالع بالسبب، وأزال ما كان مولانا السلطان فيه من عجب. وحضر قاصده وعلى يده كتابه الشريف، فإذا مضمونه:
/ ٦٠ ب / «يا سلطان الإسلام سيّر كوندك إلى المقدّمين بعكا كتابا مضمونه أنكم لا تسمعوا ولا تطيعوا لقلاون فإنّا عازمون على قطعه وقتله، فتكونوا معنا ونحن نردّ لكم كلّ القلاع التي فتحت حتى بيت المقدس، وتردّ لكم صليب الصلبوت والقمامة، فاحفظوا ما معكم وانتظروا نجح القصد».
فحين عرّب هذا الكتاب رسّم الصاحب فتح الدين بن عبد الظاهر صاحب الديوان على التراجمة، وهم: السّابق، والاسبتاريّ كاتب الإنبرطور، بحيث لم ينفّس لهم في الاجتماع بأحد من خلق الله تعالى، خيفة أن يشيع هذا الخبر. وقرأه على مولانا السلطان، واستقرّ ذلك في نفسه، واستدرك في يومه فائت أمسه.
ولما كان بعد ليال من ورود هذا الكتاب ركب كوندك وطلع إلى كوم عال
_________
(^١) كتبت فوق السطر.
1 / 86